قد لا يستطيعون فعل كل المطلوب… لكن عليهم البدء بالورشة الشاملة فوراً الكك تتحدّى نواب الحاكم: ماذا عن الشفافية؟

قد لا يستطيعون فعل كل المطلوب… لكن عليهم البدء بالورشة الشاملة فوراً  الكك تتحدّى نواب الحاكم: ماذا عن الشفافية؟

*مصرف لبنان بحاجة لنهج جديد كلياً في الحوكمة والإدارة والتنظيم والرقابة والعلاقة مع الدولة والمصارف

*الشفافية ليست مجرد نشر أرقام وبيانات وميزانيات، بل منهجية أداء تشمل كل الأقسام الادارية والمحاسبية

*إعادة هيكلة جذرية لا سيما على صعيد الرقابة الفاعلة والتدقيق الموثوق… ونشر محاضر المجلس المركزي

*إثبات ان الأرقام صحيحة ومدققة وعليها موافقة مؤسسات موثوق فيها، ونشرها مفصلة ومتصلة بأصلها التاريخي

*تحديد النموذج المحاسبي الذي ينشرون الأرقام على أساسه، وإصدار لائحة مصطلحات تعريفية مبسطة للعموم

*أين هي الشفافية وهم أبقوا على تعاميم البنك المركزي التي تتعلق بأموال المودعين التي تستنزف يوماً بعد يوم؟

*تسجيل قرض على الدولة بـ 16.6 مليار دولار!! ما الأساس القانوني الذي بني عليه القرض وكيف تراكم؟؟

في المؤتمر الصحافي الذي عقده حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري، في اليوم الاخير لولاية الحاكم السابق رياض سلامة في 31 تموز المنصرم، بحضور نواب الحاكم الثلاثة، تعهّد منصوري “بالشفافية الكاملة”.
ماذا تعني الشفافية بالنسبة لهم وكيف ترجمتها عملياً على ارض مصرف لبنان، لا سيما في بنود ميزانيته وكل ما يتصل منها بالمصارف وديون الدولة لا سيما مبلغ 16.6 مليار دولار سجله سلامة في ميزانية المركزي كدين على الدولة، بالاضافة الى 42 ملياراً احتسبها كفروقات وخسارة في سوق الصرف.
تتجه إليهم الأنظار
اليوم تتجه الانظار الى منصوري وزملائه نواب الحاكم لمعرفة ما اذا كانوا سينفذون وعودهم العديدة، (خصوصاً بعد نشر نص التدقيق الجنائي وما يتضمنه من ارتكابات قام بها سلامة)، ومنها عدم اقراض الدولة والحفاظ على ما بقي من اموال المودعين وتنفيذ الشفافية الكاملة، علماً أن تعقيدات الازمة المالية والنقدية وتورط المنظومة الحاكمة حتى اذنيها فيها بالتكافل والتضامن مع سلامة، تجعل السؤال مشروعاً عن قدرتهم (اي النواب الأربعة) على «كشف كل المستور وتطبيق الشفافية وغسل ايديهم عن الارتكابات التي كانوا شهوداً عليها منذ العام 2020 وهو تاريخ توليهم مهامهم».

الشفافية ليست شعاراً
تضع الأستاذة الجامعية والباحثة في القوانين المصرفية والمالية الدكتورة سابين الكيك، خريطة طريق يمكن أن يعتمدها منصوري ونواب الحاكم الثلاثة، لتحويل الشفافية والحوكمة في المركزي الى نهج وواقع في يومياته، ترتكز هذه الخريطة على معالجة الخلل القانوني والاداري والمالي، وتعتبر بداية انه يجب تحديد مفهوم ومعايير الشفافية المطلوبة، قبل الشروع في تحديد كيفية تطبيقها في علاقة المركزي مع ديون الدولة مثلاً والمشكلات الاخرى العالقة، فتشرح لـ»نداء الوطن» أن «معيار الشفافية هو معيار لا يسقط على المؤسسات العامة ومصرف لبنان بين ليلة وضحاها، لأن الشفافية بمفهومها الحقيقي والفعلي هي نهج وأداء مستمر وتراكم وتفعيل لعامل الثقة داخل هذه المؤسسات. في هذه المرحلة لن يكون كافياً اصدار ارقام وبيانات من قبل نواب الحاكم والحاكم بالانابة، لكي يقرروا الشفافية أو نصبغ عليهم صبغة الشفافية من عدمها»، مشددة على أن «الشفافية هي ليست مجرد نشر أرقام وبيانات وميزانيات، بل نهج وأداء للمركزي بحد ذاته من خلال التمتع بالشفافية والوضوح بكل مديرياته واقسامه الاداريه والمحاسبية وعمليات القطع، وهو مسار على نواب الحاكم البدء به اذا كان عندهم هذه النية، والزمن هو من سيحكم عليهم اذا مارسوا واجبهم الوظيفي بشفافية أم لا».
إعادة هيكلة
تضيف:»الامر ليس نشر أرقام غير مدققة وغير موثوقة تنفي ارقام سلامة فقط او تؤكدها ، وبرأيي المصرف المركزي يحتاج الى اعادة تركيبه بهيكلية تكون فيها أجهزة رقابة وتدقيق فاعلة وموثوقة، عندها يمكن الحديث عن تطبيق الشفافية فيه»، لافتة الى أنها «تبدأ على مستوى اجتماعات المجلس المركزي وبنود جدول الاعمال ونشرها وكيفية التصويت عليها، كي لا يتذرع أحد لاحقاً انه كان غير موافق عليها. ولا بد من الاشارة الى أن نواب الحاكم والحاكم بالانابة أمضوا اكثر من نصف ولايتهم في المركزي مع ارقام سلامة وبالتالي هم صبغوا بصبغته».
محاولات تنصّل
ترى الكك «أن منصوري وزملاءه يحاولون اليوم التنصل من هذه الارقام، الا أن ذلك يعني أنهم لم يكونوا يقومون بواجبهم الوظيفي كما يجب وارتضوا بأرقام تصدر عن المؤسسة التي هم مولجون بمهمات أساسية فيها وأقسموا اليمين على أداء مهمتهم فيها بأخلاق وبضمير تحت سقف الدستور. واليوم هم ينتقدون هذه الارقام بالرغم من أنهم معنيون بها ومسؤولون عنها كونهم كانوا نوابا لسلامة»، مؤكدة أن «نسف ما لصق بهم من أرقام وتعاميم ومقررات على مستوى المجلس المركزي لا يتم من خلال اصدار أرقام مغايرة لأرقام سلامة، ومن هنا يجب أن يبدأوا. وعليهم أن يثبتوا أولاً أن الأرقام الجديدة المنشورة هي أرقام صحيحة ومدققة وعليها موافقة مؤسسات موثوق فيها وأن يتم نشرها مفصلة، لأن الارقام لا تأتي من عدم، بل يجب أن تكون مرتبطة بجذورها التاريخية المحاسبية لكي نجزم بأنها أرقام صحيحة ويمكن البناء عليها في المرحلة المقبلة».
الشفافية ليست تجميلاً!
وتوضح: «نحن اليوم بأمسّ الحاجة الى الّا تكون الشفافية ليست مجرد معيار تجميلي لتحسين صورتهم الشخصية بل نهج وأداء مؤسساتي متكامل ومترابط ومتراكم، ولكي تترسخ ثقافة الحوكمة والشفافية لكل من ستؤول اليه هذه المسؤولية لاحقاً، وعلى كل المستويات الادارية من الحاكمية وصولاً الى اصغر مديرية في المركزي. أي أن تترابط الارقام مع النهج والتصور والميزانيات والتعاميم والقرارات»، سائلة :»أين هي الشفافية وهم أبقوا على تعاميم المركزي التي تتعلق بأموال المودعين التي تستنزف يوماً بعد يوم؟ هل سيحاولون تغيير هذه التعاميم ورد علاقة المصارف بالمودعين الى حيث يجب أي تحت سقف القانون؟ أم سيستمرون بذات النهج؟ فالشفافية ليست صفة يطلقونها على أنفسهم، بل هي معيار علمي وقانوني ومحاسبي ومالي واعادة رسم أداء مصرف لبنان، واصدار ما يوحي بالثقة لصندوق النقد والمجتمع الدولي، وعملية ترابط صحيح بين سياسات المركزي وسياسات الدولة وهي عملية فصل السياسات النقدية عن المالية بالكامل، وهي عملية تبرر ديون مصرف لبنان او ما يسمى الفجوة الموجودة فيه».
عملية تصحيحة
تشدد الكك على أن «هذه الارقام لم يوافق عليها المختصون يوماً، وشخصياً لم أكن اصدق الارقام التي تصدر عن حجم الاحتياطي في المركزي. لأنه لا يمكن أن نسجل أرقاماً وديوناً على الدولة اذا لم تكن صادرة بقوانين تجيز للحكومة ووزارة المالية هذه الديون، لذلك يجب أن تحصل عملية تصحيحية جذرية لنتكلم عن شيء من الشفافية في مصرف لبنان وعن أداء نواب الحاكم، لاعطاء مصداقية لأدائهم تنبع من مصداقية المؤسسة وليس العكس».
معايير وأسس علمية
في الشق المتعلق بالمعايير اللازمة لتطبيق الشفافية في المركزي، ترى الكك أنه «اذا نشر نواب الحاكم أرقاماً تدحض ارقام سلامة، التي لم تكن موثوقة، لن يتحقق الهدف ببناء الثقة وتثبيت أن أرقامهم صحيحة وموثوقة يبنى عليها في اي خطة اصلاحية مقبلة. بل يجب أن تكون هذه الارقام مبنية على أسس علمية، عبر نشر بيانات كاملة مع دراسات تحليلية ومقارنات وأدلة واثباتات تدقيق مالي وتقارير شركات تدقيق دولية ، لكي يبرهنوا أنهم يقدمون ارقاماً صحيحة، وليس مجرد دحض لأرقام سلامة او التأكيد عليها. ففي الحالتين هناك مشكلة، فاذا تم التأكيد عليها فنحن غير مصدقين هذه الارقام، واذا تّم دحضها بأرقام غير مؤكدة ست كون هناك مشكلة».
النموذج المحاسبي
وتؤكد أن «من معايير الشفافية أن تكون الارقام المنشورة والميزانيات تعتمد المعايير المحاسبية الواضحة، لأن مصرف لبنان خلق التباساً في اذهان الرأي العام في ما يتعلق بالارقام، عبر استعمال تعابير محاسبية او نمط محاسبي معين، فتأتي شركات محاسبية فتنفيه وهذا أمر مقصود»، لافتة الى أنه «لازالة هذا الالتباس في ميزانياته، يجب على الحاكم بالوكالة ونوابه ان يحددوا النموذج المحاسبي التي ينشرون الارقام على أساسه، ويطابقوا هذا النموذج مع نموذج الارقام الذي وضعوه، وأيضا أن يصدر مصرف لبنان لائحة مصطلحات تعريفية تتناسب مع المعايير المحاسبية التي يعتمدها. مثلاً الاحتياطي الالزامي يخلق التباساً كبيراً لأن تفسيرهم له يختلف عن التفسير الشعبي، مثلاً: ماذا يقصد بمصطلح موجودات اخرى؟؟».
تحديد المصطلحات
تؤكد الكك أن «هذا الالتباس يحصل في المؤسسات المالية العالمية، لأن البيئة المتخصصة المحلية والدولية بحاجة ماسة الى تحديد هذه المصطلحات لمعرفة ان هذه الارقام تعود لأي مصطلح، لأن تغيير المصطلح يؤدي الى تغيير كامل بمفهوم هذه الميزانية والارقام»، مشيرة الى أن»نشر التعاميم لمصرف لبنان وصياغتها هي صياغة معقدة وخاصة لغير المتخصصين، وحتى للمتخصصين يخلق لديهم التباساً أيضا، مثلاً ما المقصود بالاحتياط الالزامي في تعاميم صدرت منذ العام 1998؟».
تبسيط وتسهيل
وترى أنه «يجب اعادة ترتيب البيانات التنظيمية لمصرف لبنان وتبسيط المعلومات وتسهيل الوصول اليها، بمصطلحات واضحة ينشرها المركزي في كتيب وكتيب آخر عن التعاميم المعمول بها حالياً، وهذا سيساعد على تحقيق الشفافية ويخلق تغييراً لدى الرأي العام المتابع داخلياً ودولياً، ويزرع بذور عمل مؤسساتي ونهجاً جديداً في مصرف لبنان».
كيف تكوّنت الديون على الدولة؟ وما أساسها القانوني؟
في تطبيق الشفافية في الملفات العالقة ومنها ديون الدولة لدى مصرف لبنان تقول سابين الكيك: «في كل ما يتعلق بديون الدولة والمصارف، على نواب الحكام الاربعة أن يشرحوا للرأي العام كيف تكونت هذه الديون وما هو الاساس القانوني لها، وكيف تحولت أموال المصارف الى المركزي، وكيف استعملها لاقراض الدولة، واين خالف قانون النقد والتسليف واين طبقه؟؟ بهذه الطريقة نعطي شيئاً من المصداقية للأرقام قبل الانتقال الى مرحلة الشفافية، اي تطبيق معيار المصداقية وبناء الثقة لتحقيق الشفافية». تضيف: «في بند اقراض الدولة أو بند 16.6 مليار دولار، يجب اظهار كيف تراكم هذا المبلغ، لا يمكن تسجيل ديون على الدولة من دون أن يمر ذلك بقانون في مجلس النواب، أين هو القانون الذي صادق عليه البرلمان أو سيصادق عليه، هل حاول المجلس المركزي الحالي تصحيح أرقام مصرف لبنان للعام 2023؟ هل يعتبرون أن هذه الارقام صحيحة أم لا؟ وهل حصلت عملية تصحيح لها في ميزانية الحكومة التي تناقش حالياً؟ اين هي الجداول التي أرسلت في شهر حزيران كما ينص قانون النقد والتسليف الى وزارة المالية، لاقرار ان هناك ديوناً على عاتق الدولة وهي 16 مليار دولار واين أدخلت في ميزانية 2023 حتى تقر؟».
وتسأل الكك» «هل سيحصل تغيير في النهج والاداء في الحاكمية؟ لأن كل الارقام التي يسجلها حاكم مصرف لبنان كديون على الدولة، يجب أن ترسل في حزيران من كل عام ضمن ميزانية مصرف لبنان الى وزارة المالية لتوافق عليها ولتدرج في ميزانية الدولة كمؤسسة عامة. هل حاولوا تقديم ارقام وتصور جديد لميزانية مصرف لبنان او لعلاقة المديونية بين مصرف لبنان والدولة؟ هل قدموها في اطار قانوني جديد في الموازنة التي تناقشها الحكومة حالياً؟».
لجنة الرقابة… وفصل المناصب… وإبعاد المصارف عن التعيينات
تشدد سابين الكك ايضا على أن «الشفافية تبدأ بتفعيل دور لجنة الرقابة على المصارف، واصدار تقارير تقييمية لعمل البنوك وميزانياتها بما يتلاءم مع الحقيقة الفعلية، أي وضع اليد على المصارف المتعثرة وتطبيق الاجراءات المناسبة بحقها»، مؤكدة أن «الشفافية هي أن يتقدموا بمسودة اقتراح قانون للحكومة لفصل المناصب التي يتولاها حاكم مصرف لبنان، أي فصل منصب الحاكم عن منصب رئيس هيئة التحقيق الخاصة، وعن منصب رئيس هيئة الاسواق المالية وعن رئيس الهيئة المصرفية العليا، وفي حال استمرت هذه الآلية في ادارة المركزي، فهذا يعني أنه ليس لديهم نية جدية لتطبيق الشفافية». وترى أن «الشفافية هي أن لا يكون في اعضاء المجلس المركزي واعضاء لجنة الرقابة على المصارف من يتعين بناء على اقتراح جمعية المصارف، وان يقدموا اقتراحاً لتعديل بنود قانون النقد والتسليف التي تخلق ازدواجية بين المناصب واستغلال النفوذ الذي حصل في المركزي».
وتختم:»الشفافية عملية متكاملة ومسار طويل يمكن لمنصوري وزملائه البدء فيه، وليس بالضرورة انجازه حتى النهاية . ولكن للأسف نحن لغاية اليوم نرى عملية ارباك حاصل بين الضغط السياسي، وبين قدرتهم على التصرف وعدم الخضوع للمنظومة السياسية».

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن