الحاكم بالإنابة يُحضّر تفاصيل الأرقام ليضعها في متناول اللبنانيين… جمعية المصارف تؤازر منصوري وتضع إمكانياتها في تصرّفه، ولكن!

الحاكم بالإنابة يُحضّر تفاصيل الأرقام ليضعها في متناول اللبنانيين… جمعية المصارف تؤازر منصوري وتضع إمكانياتها في تصرّفه، ولكن!

مع تموضع حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري في موقعه بعد عاصفة التأويلات والتوقعات ما بين الاستقالة والاعتكاف أو الإصرار على تلقف كرة النار مهما كلف الامر، وفي انتظار سير الحكومة ومجلس النواب بخريطة الإصلاحات التي وضعها منصوري قبل البدء باستخدام الاحتياطي، يتفرغ الأخير لمزاولة مهامه كحاكم فعلي لمصرف لبنان مع ما يتطلبه ذلك من لقاءات تخدم ما يتطلع إليه. توازياً يعكف منصوري مع فريق عمله على إعداد تقرير مفصل كان قد وعد به في مؤتمره الصحافي لإطلاع اللبنانيين بالأرقام على حجم احتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية وحجم التوظيفات الإلزامية وغيرها من أرقام تهمّ الرأي العام، ستُنشر بالتفاصيل على موقع مصرف لبنان الإلكتروني دورياً.

وفي السياق، برز اللقاء الذي جمع منصوري مع وفد من جمعية مصارف لبنان الذي أبدى “ارتياحه الكامل تجاه العزم الذي وجده لدى الحاكم حيال التزام مصرف لبنان بالتقيد الكامل بالقوانين المرعية الإجراء، ولا سيما حيال موضوع إقراض الدولة اللبنانية أو حيال عدم المسّ بالتوظيفات الإلزامية للمصارف لديه والتي تعود بالنتيجة للمودعين، مثلها مثل سائر ودائع المصارف في مصرف لبنان”. كما رحّب المجلس بحرص منصوري على الدفع قدماً باتجاه إقرار القوانين اللازمة لحل الأزمة المصرفية النظامية، وفي طليعتها قانونا الكابيتال كونترول وإعادة هيكلة المصارف.
وفيما كان بيان الجمعية بعد اللقاء مع منصوري واضحاً حيال تشجيعها إياه للإجراءات والخطوات التي يقوم بها، واضعة إمكانيات الجمعية بتصرفه بهدف “التوصّل إلى تحقيق الحلول العادلة والناجعة التي تخرج لبنان بأسرع وقت ممكن من الأزمة الخانقة التي يمر بها”، أكدت مصادر المجتمعين أن الجميع خرج من اللقاء بانطباع جيد، خصوصاً أن منصوري أكد أمامهم ما كان يجاهر به علناً حيال عدم المس بالاحتياطي من دون تشريع، بغضّ النظر عما إن كان هذا التشريع دستورياً أم لا. وفيما أكدت المصادر عينها أن الجمعية حفزته على الثبات بمواقفه الرافضة على المضي بالسياسات المعتادة وعدم طباعة الليرة، علم في المقابل أنه كان ثمة اعتراض لدى بعض أعضاء مجلس الإدارة خارج اللقاء، على مسألة تأييد منصوري في ما يصر عليه من ضرورة إصدار قوانين تتعلق باستخدام الاحتياطي. والاعتراض جاء على خلفية عدم تأكدهم من طريقة إصدارها ومضمونها وما إن كانت قد تلقي بالمسؤولية عليهم في نهاية الأمر من ضياع أموال المودعين، فكان رأي البقية أن على جمعية المصارف تأييد الحاكم بالإنابة في ما يصبو إليه، وحين يأتي وقت البحث في مضمون القوانين، لكل حادث حديث.
ولكن هل التشريع لاستخدام الاحتياطي دستوري، علماً بأن ثمة من يعتبر أن إطلاق تسمية الاحتياطي الأجنبي هو خطأ، فيما الصحيح أنه “احتياط إلزامي” تكوّن ووُلد من رحم الاحتياطات الإلزامية التي كانت المصارف تودعها في مصرف لبنان، التزاماً بالتعاميم الملزمة لها بذلك.
وفق المتخصص في الرقابة القضائية على المصارف المركزية وأجهزة الرقابة التابعة لها باسكال ضاهر فإن “من غير القانوني المس التوظيفات الإلزامية والصرف منها لغير غايتها سواء أكان ذلك بقانون (غير دستوري) يجيز ذلك أم بدونه، ولا سيما أنها ليست ملك المركزي وإن كانت بحوزته”. واعتبر أن “الاحتياطي الإلزامي” هو كناية عن نسبة مقتطعة من الودائع تودع بصورة إلزامية لدى المصرف المركزي وتملك عدداً من الخصائص. فهي من ناحية تُعتبر مالاً مخصّص الأهداف يرمي إلى حماية المودعين من تعثر المصرف التجاري أو توقفه عن الدفع، أي إنها مودعة لديه بشرط، ولم تصبح في حوزة المركزي ولا ملكية له عليها إلا بهدف تحقيق غاية. لذلك لا تدخل على الإطلاق في ذمة المصرف المركزي ومن هنا لا يجوز استعمالها أو إقراضها لأنها بكل بساطة ليست داخلة في ملكيته. ومن ناحية أخرى تشكل بطبيعتها أهمية خاصة لدى المصارف المركزية، وتُعدّ من أدواتها لتحقيق سياستها النقدية الهادفة إلى تحفيز الاقتصاد ومجابهة التضخم، وذلك يكون من خلال تعديل النسب الخاصة في تكوينها”. ويستند ضاهر برأيه الى أن “القضاء اللبناني كان قد عمد الى حجز جزء من هذه الاحتياطات، ولكن تحت يد المصرف المركزي لكونها تخص المودعين، وتالياً لا يجوز من بعد ذلك التصرف بها”.
ليست المرة الأولى التي يُطلب فيها تشريع قانون للسماح بالمسّ بالتوظيفات الإلزامية لمصلحة تمويل الحكومة، بدليل أن الحاكم السابق رياض سلامة كان قد طلب، أمام ضغط “بعبدا”، في 14 آب 2021 تشريع قانون يسمح له ذلك. بيد أنه بغضّ النظر عن مدى قانونية هذا القانون العتيد، يشير ضاهر الى أن “الصرف كان مستمراً من دون هوادة، وهذا الانحراف هو ما أدّى بالنتيجة الى الواقع الذي نعيشه الآن”.
لذا، حتى لو صدر قانون كهذا يسمح بـ”مد اليد” على ما بقي في التوظيفات الإلزامية، فإن هذا الإجراء برأي ضاهر “يُعدّ غير دستوري انطلاقاً من أن التوظيفات غير قابلة للصرف خارج الحدود المرسومة لها ولا سيما أنها مال مخصّص الأهداف، وأي قانون يشرع هذا الاعتداء سيكون مخالفاً للدستور ومقدمته والاتفاقات الدولية، إضافة الى المبادئ القانونية الأساسية التي بُني عليها النظام اللبناني. وتالياً ستقع تلك المخالفة تحت رقابة المجلس الدستوري، كما أنه يفتح المجال لمقاضاة الدولة عن مسؤوليتها عن الأعمال التشريعية”. وأكثر… إذا تحققت هذه المخالفة فإنها تعني وفق ضاهر، أن “المشرع والحكومة غير مدركين للأسس القانونية لهذه التوظيفات والاحتياطات المنبثقة من أحكام قانون النقد والتسليف”، مذكراً في السياق، برفض حاكم مصرف لبنان السابق إدمون نعيم المسّ بالاحتياط، بالرغم من سعي السلطة في حينه الى تشريع نص قانون، على اعتبار أن أسس عمل المصرف المركزي تختلف عن هدف الحكومة بالاستحصال على المال السهل ولا سيما أن استسهال الحكومة بالاستقراض، سينتج عنه تسارعٌ بالانحدار” .
أمام هذا الواقع، يبقى السؤال عن دور مصرف لبنان في تمويل الحكومة؟ وهل يجوز الاستقراض من مصرف لبنان بعملة غير الليرة اللبنانية؟ يؤكد ضاهر أن “ليس من مسؤولية مصرف لبنان تمويل الحكومة على الإطلاق، وإذا أرادت الحكومة ذلك فإنه ينبغي أن يكون من موازنتها لا من حسابات المصرف المركزي، مع التأكيد أن استقلالية المصرف المركزي تحول دون قانونية هذا الإجراء بالمطلق”.
وهل يجوز إقراض الدولة بغير العملة الوطنية، يوضح ضاهر أن “هذا الأمر محل تجاذبات، إلا أنه يقتضي التذكير بأن المبدأ المفروض بحكم قانون النقد والتسليف هو المنع وعدم الإباحة، كما أنه لا يكون إلا بعملة البلد وليس بعملة أخرى. وفي حال حاجة الحكومة لتلك العملة، فإن المركزي يشتري لها من السوق ومن حساباتها المفتوحة لديه”.
وختم بالتأكيد أن “تدخل مصرف لبنان في السوق الحرة للعملات بغية تأمين استقرار النقد يكون حصراً من حساب “صندوق استقرار القطع” المحدّد في المادة 75 نقد وتسليف والمموّل من أرباحه الصافية وفق قانونه، بما ينزع القانونية عن جميع ما يُسرّب. وفي حال فراغ هذا الحساب يصبح من الأجدى مصارحة اللبنانيين والعمل الجدّي للبناء من جديد من خلال التعاضد الدؤوب للوصول إلى اقتصاد منتج يسمح بجلب الدولارات من الخارج، توازياً مع تفعيل دور القضاء للمحاسبة ورد الأموال المنهوبة والمحوّلة خلافاً لأحكام القانون، وإلا فإننا نسير بخطى واثقة نحو الخروج من كيان الدولة”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار