اليوم ومع دخول المركزي في عهده الجديد، تتردّد العديد من الأنباء التي تنذر باحتمال إلغاء “صيرفة” واستبدالها بأخرى. ما يدفع للسؤال حول مصير رواتب القطاع العام والضرائب من بعدها؟ وما هو البديل لصيرفة؟
كتبت باولا عطيّة لـ”هنا لبنان”:
يدخل الاقتصاد اللبناني مرحلةً محفوفة بالمخاطر والضبابيّة، حول السياسة النقديّة التي سيتبنّاها لبنان، بعد انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في 31 تمّوز الفائت، واستلام نائبه الأوّل سليم منصوري، وسط تعذّر حكومة تصريف الأعمال على تعيين حاكم جديد بالأصالة. علمًا أنّ تسلّم منصوري المنصب أتى استناداً إلى مندرجات المادة 25 من “قانون النقد والتسليف” والتي تنصّ على أنّه في ظلّ شغور منصب الحاكم يتولّى المنصب نائبه الأوّل، ريثما يتمّ تعيين حاكم أصيل.
وكما مصير السياسة النقديّة التي سينتهجها منصوري مجهول، كذلك مصير منصّة صيرفة، حيث كان لافتاً في التصريحات الأخيرة لنائب حاكم مصرف لبنان سليم شاهين، حديثه عن التوجهّ للتخلّي عن منصة “صيرفة” في الفترة التي تلي انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ووصفه لها بأنّها “فاقدة للشفافية والحوكمة”، في حين شكّلت هذه المنصة ولمدّة طويلة، أبرز أدوات المصرف المركزي اللبناني في التعامل مع الأزمة المالية المستمرة في البلاد منذ العام 2019، وأخذت ترتبط بها جميع الضرائب والرواتب الخاصّة بموظفي القطاع العام، كأولى خطوات الذهاب نحو إعادة توحيد سعر الصرف.
ولكن اليوم ومع دخول المركزي في عهده الجديد، تتردّد العديد من الأنباء التي تنذر باحتمال إلغاء “صيرفة” واستبدالها بأخرى. ما يدفع للسؤال حول مصير رواتب القطاع العام والضرائب من بعدها؟ وما هو البديل لصيرفة؟
نشأة صيرفة
بدأ الإعداد لهذه المنصّة عام 2020، وأطلق العمل بها في أيّار من العام 2021، بموجب تعميم أساسي صدر عن مصرف لبنان يحمل الرقم 157، ألزم المصارف كافّة بالتسجيل على المنصّة، متيحاً لها حرية التداول، بحيث تُجري عمليات الصرافة لزبائنها وتسجّلها على المنصة وفق سعر الصرف المحدد من المصرف المركزي.
وعبر هذه المنصة أتاح مصرف لبنان شراء الدولارات من المصارف بسعر أدنى من المعروض في “السوق الموازية”، وكان الهدف من ذلك التحكّم في القفزات الكبيرة التي كان يسجّلها سعر صرف الدولار مقابل انهيارات الليرة اللبنانية من جهة، وتأمين حدّ معين من الدعم للتجار والمستوردين والشركات الكبرى الذين كانوا يحصّلون حاجاتهم من العملة الصعبة من السوق الموازية من جهّة أخرى.
سعى المصرف المركزي من خلال صيرفة إلى حصر التداول بالدولار على منصّة رسمية واحدة، بهدف إعادة تنظيم السوق الذي كانت تقوده المضاربات والتلاعب من قبل الصرافين، في محاولة لضبط تقلّباته العشوائيّة.
هذا ولعبت “صيرفة” دوراً، من خلال التعميم 161، الذي صدر في كانون الأوّل من العام 2021، وينصّ على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحقّ لهم سحبها، وفق سعر الصرف على منصة صيرفة. ما أتاح لموظفي القطاع العام قبض رواتبهم بالدولار، وذلك في سياق تمويل مصرف لبنان للنفقات التشغيلية للدولة اللبنانية، التي كانت تسعى للمحافظة على القدرة الشرائية للموظفين من خلال مدّهم بالدولارات، فيما أراد مصرف لبنان بالمقابل ضخّ المزيد من الدولارات في الأسواق، وسحب كميات كبيرة من الليرة اللبنانية المتضخمة بفعل طباعة العملة المستمرة.\
صيرفة ليست منصّة للتداول
من جهته قال الخبير الإقتصادي باتريك مارديني لـ”هنا لبنان” إنّ “منصّة صيرفة يسجّل عليها عمليّات التداول، وهي ليست منصّة تداول، ولا يجرى عليها عمليّات شراء وبيع، وعبر هذه المنصّة كان المصرف المركزي يموّل نفقات الحكومة اللبنانيّة أو ما يعرف بالنفقات العامّة بالليرة اللبنانيّة، ويعود ويسحب هذه الليرة من السوق ويعطي مقابلها دولارات، لتجفيف الليرة، وكي يمنع من زيادة الطلب على الدولار. إذاً المصرف المركزي كان يستخدم هذه المنصّة لشراء الليرة اللبنانيّة ولبيع الدولارات، وفي أحيان أخرى لبيع الليرة وشراء الدولارات، خصوصاً في المواسم السياحية حيث يكون هناك وفرة بالدولار، وذلك للحفاظ على استقرار سعر الصرف”.
سيتمّ الخروج من صيرفة تدريجياً
وعن مصير المنصّة يلفت مارديني إلى أنّ “الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، سيدفع نحو الخروج من منصّة صيرفة تدريجياً، إذ سيتمّ حصرها في المرحلة الأولى بالرواتب والأجور، وفي المرحلة الثانية سيتمّ الخروج منها بشكل تام، على أن يتمّ العمل على منصّة جديدة، بالتعاون مع إحدى الشركات الدوليّة كبلومبرغ ورويترز التي من غير الواضح بعد ما إذا ما كانت ستسجّل عمليّات التداول أو ستكون منصّة تداول، إلّا أنّه وبحسب المعلومات الأوّليّة فإنّ المصرف المركزي لن يدفع الدولارات لشراء الليرة من السوق، وبالتالي فإنّ سياسة التدخّل بالسوق لتجفيف الليرة وضخّ الدولارات ستتوقّف”.
ما البديل؟
أمّا البديل عن صيرفة بحسب مارديني فهو “منصًة بديلة تضع سعر الصرف المناسب لتحديد الضرائب، حيث أنّ لصيرفة وظيفتان أساسيّتان الأولى أنّها تعطي سعر صرف مرجعي للسوق حيث أنّ الضرائب والفواتير تسعّر وفق منصّة صيرفة، كالدولار الجمركي، وفاتورة الهاتف، والكهرباء، والإنترنت وضريبة الدخل. إلخ. أمّا الوظيفة الثانية فهي كانت التدخّل بالسوق، والتي ستتوقّف، ولكن توقّفها قد يؤدّي إلى تفلّت سعر الصرف لذلك أعلن المصرف المركزي أنّه وعلى الرغم من توقّفه عن ضخّ الدولارات في السوق، إلّا انّه سيضخّ هذه الأخيرة بطريقة أخرى، وذلك عبر ضخّ هذه الدولارات للحكومة اللبنانيّة مباشرة، وبالتالي التدخّل بالسوق مستمرّ ولكن الوسيلة ستختلف”.
كيف نحافظ على استقرار سعر الصرف؟
وانتقد مارديني سياسة ضخّ الدولارات معتبراً أنّها “غير مستدامة، إذ تؤدّي إلى استنزاف العملات الصعبة، وهي سياسة ستزيد من الخسائر، لذلك يجب تغيير النهج كلّه، فقرار المركزي بعدم التدخّل هو أمر إيجابي وخطوة يثنى عليها، ولكن على مجلس النواب أن يرفض قانون الحكومة اللبنانيّة الذي يشرّع الإقراض بالدولار من المصرف المركزي”.
ومن أجل تأمين استقرار الصرف يرى مارديني، أنّ “الحلّ يكون بعدم طباعة الليرة من الأساس حيث لدينا كتلة نقديّة يبلغ حجمها 60 تريليون ليرة لبنانيّة، وعلينا الحفاظ على هذه الكتلة وعدم طبع المزيد من الليرة، ما سيؤدّي إلى استقرار سعر الصرف، وبالتالي إلى إصلاح السياسة النقديّة في لبنان، الأمر الذي سيحفّز الحكومة على وضع سياسات ماليّة سليمة لأنّها تعي أن لا مصدر لديها لتموّل موازناتها إلّا عبر خلق توازن بين الإيرادات والمصاريف”.