مشروع موازنة 2023: لا رسوم جديدة بل زيادتها ما بين 30 و50 ضعفاً

مشروع موازنة 2023: لا رسوم جديدة بل زيادتها ما بين 30 و50 ضعفاً
من المعايير الصحية لعمل الدولة وجود موازنة سنوية تحدد الرؤية المالية والاقتصادية والاهداف الاجتماعية للحكومة، موازنة تضبط حركة الإنفاق وتعيد ترتيب هيكلية مداخيل الدولة ومصاريفها وفقا للقواعد المالية المعتمدة، خصوصا في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها لبنان والتي تحتاج أكثر من أي وقت مضى الى إظهار الشفافية والحوكمة في أداء الدولة.
في السياق، أنجزت وزارة المال مشروع قانون موازنة العام 2023، ورفع وزير المال يوسف الخليل المشروع إلى رئاسة مجلس الوزراء لدرسه وإقراره وإحالته على مجلس النواب وفقاً للأصول. واستناداً الى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، سيعقد المجلس “جلسات متتالية للبحث في المشروع الأسبوع المقبل، على أن تكون الجلسة الأولى عند الساعة الثالثة بعد ظهر يوم الإثنين 24 تموز الجاري”.
كثر بدأوا بإطلاق النار “التويتري” على الموازنة حتى قبل معرفة مضامينها وفذلكتها ومندرجات بنودها، فبين مَن اتهمها بأنها حافلة بضرائب ورسوم اضافية لا طاقة للبنانيين على تحمّلها في هذه الظروف، وبين مَن أفقدها علميتها وتوازنها قبل أن تناقَش في المجلس النيابي، أما في واقع الامر فان الموازنة، وإن تضخمت ارقامها بفعل مضاعفة نسب الرسوم لتتوافق الى حد ما مع ما كانت تعادله العام الفائت، لا تتضمن اي ضرائب جديدة ولا تحتوي على أي بنود تزيد على كاهل المكلف اللبناني اعباء لم يكن يتكلفها سابقا.
ووفق ما قال المدير العام لوزارة المال جورج معراوي لـ”النهار”، فإن “مشروع الموازنة لم يلحظ اي ضرائب جديدة، وكل ما في الامر أنه تم تعديل الرسوم بزيادة ما بين 30 ضعفا و50 ضعفا. فالرسم الذي تفرضه الدولة على المواطنين والمؤسسات هو في مقابل خدمة تقدمها لهم، وتاليا من غير المعقول أن يبقى على حاله بعد ارتفاع الأسعار وزيادة تكاليف الخدمات التي تقدمها الوزارات والادارات المعنية”.
وبحسب الارقام الواردة في المشروع، قُدر العجز بنحو 34 ألف مليار ليرة، بعد احتساب النفقات بنحو 181 ألف مليار ليرة مقابل إيرادات بقيمة 147 ألف مليار ليرة، فيما قُدرت النفقات بنحو 181,923 مليار ليرة أي بزيادة 141 ألف مليار عن موازنة 2022 أي 445% نسبة لموازنة العام 2022، اي بنحو 1,999,153,846 دولارا على سعر صرف 91 ألف ليرة للدولار. أما الايرادات المقدرة فبلغت: 181,923 مليار ليرة وهي موزعة بين: ايرادات عادية: 147,739 ألف مليار ليرة، وايرادات استثنائية: 34,183 ألف مليار ليرة، أي بمجموع يوازي 1.99 مليار دولار على سعر صرف 91 ألف ليرة للدولار.
وتتوزع النفقات بين نفقات الجزء الأول والتي تمثل النفقات العادية 170 ألف مليار ليرة، في حين ان نفقات الجزء الثاني بلغت فقط 11.9 الف مليار وهي نفقات التجهيز والاستثمارات، علما أن النفقات التي كانت مقدرة في موازنة العام 2022 بنحو 40,873 ألف مليار ليرة، تضاعفت 4.45 مرات. ويتبين أن نفقات وزارة المال تضاعفت 19 مرة ونفقات رئاسة الجمهورية تضاعفت 15 مرة ووزارة الأشغال 9.9 مرات، في حين أن نفقات وزارة الصحة تضاعفت 2.5 مرتين فقط، أما الحصة الأقل فكانت من نصيب وزارة العمل التي بلغت 1.3 مرة فقط .
أما أبرز النفقات الحكومية بالليرة اللبنانية، فتتعلق بقيمة الفوائد على سندات الخزينة الخارجية التي حددتها بنحو 5,475,113,000,000، وحددت الفوائد على القروض الداخلية بنحو 7,307,833,000,000، والمخصصات والرواتب والأجور وملحقاتها بنحو 30,486,518,549,000، فيما حددت المساهمات للرواتب والأجور في المؤسسات عامة بنحو 2,299,468,203,000، والمخصصات الاجتماعية للعاملين في القطاع العام بنحو 51,804,162.879,000.
بالنسبة الى الضرائب والرسوم، فقد عددت الموازنة المئات من الرسوم التي قررت مضاعفتها، وبينها رسم عن كل ليتر من المشروبات الروحية التي تشمل تلك المنتجة محليا على نحو يراوح ما بين 5000 ليرة و22500 ليرة بحسب نوع المشروب، وعلبة سجائر 7500 ليرة، وكيلوغرام معسل 75 الف ليرة، و10% من سعر مبيع السجائر بالمفرق. كما شملت الزيادات المسافرين: 500 ألف ليرة للمسافرين براً و65 دولاراً عن كل مسافر على الدرجة الاولى، و35 دولاراً على الدرجة السياحية. أما تلك التي لم تذكرها فقد حرصت على إيراد نص عام باعتبارها مضاعفة 30 مرة حيث نصت على مضاعفة جميع الرسوم على اختلاف أنواعها بنسبة 30 مرة عما كانت عليه في 1/8/2019.
القعقور: موازنة الضربة القاضية!
في قراءة أولية لبنود الموازنة، يقول الخبير في الشؤون الضريبية جمال القعقور لـ”النهار” إن “من يتابع البنود الضريبية ولا يعلم حال الشعب اللبناني اليوم يعتقد انها موازنة دولة حضارية تقدم خدمات عظيمة للمواطن، وتاليا يحق لها تحصيل كل هذه الضرائب منه، لكن عندما يعلم ان المواطن يعاني ما يعانيه من فقدان للخدمات في كل المجالات الحياتيّة ويعيش في دولة فساد نهبت أمواله، يستغرب كيف تتجرأ هذه الدولة على الاستمرار بزيادة الضرائب والرسوم بشكل عشوائي”. ويوضح أن “التصويب الأول للسياسة الضريبية المفروض أن يتضمن موازنة 2023 هو زيادة الضريبة على رؤوس الأموال ومنها فرض ضريبة على إيداعات المقيمين خارج لبنان وتخفيض الضريبة على الاستهلاك وأهمها ضريبة القيمة المضافة”.
ويستغرب القعقور ومعه النقيب السابق لخبراء المحاسبة الدكتور موفق اليافي اللذان تداولا معا بند تخفيض الحد الأدنى السنوي الخاضع للضريبة على القيمة المضافة إلى مبلغ 750 مليون ل. ل. /البند 1 من المادة 69 من مشروع موازنة 2023، أي إلى ما يعادل حاليا مبلغ 8,150 دولارا سنويا. وهذا يعني برأي القعقور “خضوع كل القطاعات الاقتصادية للضريبة المضافة بما في ذلك صغار التجار وأصحاب المهن. في حين أن الحد الأدنى الخاضع لهذه الضريبة في غالبية الدول هو 100 الف دولار سنويا، وهذا الفرق الشاسع هو بسبب أن الحكومة تتصرف بتعجرف ولا من رقيب ولا حسيب، وهي مطمئنة إلى تواطؤ مجلس النواب معها لتمرير ما تشاء من قوانين كما حصل في موضوع موازنة 2022”.
ويحذر القعقور من استمرار الحكومة ووزير المال في مخالفة القوانين الصادرة ضمن الموازنات بعد إقرارها من خلال التفسير الخاطئ المتعمّد لبند يرد في نهاية بعض البنود الضريبيّة في الموازنات وهو: “تحدد دقائق تطبيق هذه المادة بقرار يصدر عن وزير المال”. وهذا ما حصل بعد إقرار موازنة 2022 والذي سيحصل بعد إقرار موازنة 2023، حيث شرعت الحكومة عبر وزير المال في تحديد نسب وشطور وقيم ضريبية نسبة لأسعار صرف أدت الى زيادة قيم الضرائب. ويؤكد القعقور أن “هذه الاجراءات مخالفة للمادة 229 من قانون النقد والتسليف التي تنص على وجوب ألا يؤدي تعديل سعر الصرف الرسمي إلى زيادة الضرائب”. ولتوضيح المخالفات التي تُرتكب من الحكومة ووزير المال عبر الافادة من النص أعلاه ومن خلال إصدار مراسيم وقرارات تخالف جوهر النص القانوني الوارد في الموازنة، يشير القعقور الى “ما حصل يوم اقرار موازنة العام 2003 حيث فرضت ضريبة 5% على ايرادات الفوائد المصرفية (المادة 51 من القانون 497/2003)، والتي يجب أن تطاول بشكل أساسي المحصل الأكبر لهذا النوع من الإيرادات أي المصارف، يومها عمد وزير المال الى إصدار القرار الرقم 403/1 تاريخ 18 آذار 2003 / المادة العاشرة التي أعطت الحق للمصارف في اقتطاع ضريبة الفوائد من قيمة ضريبة الدخل، وهكذا نسف وزير المال النص القانوني الوارد في قانون الموازنة عبر الغائها بطريقة غير مباشرة”.
وإذ يستغرب عدم اقتناع النواب الذين تقدموا بطعن بموازنة 2022 بإمكان الطعن بالمخالفات التي قام بها وزير المال عبر القرارات الضريبيّة التي أصدرها بعد اقرار موازنة 2022 مخالفا بها نصوصا قانونيّة صادرة عبر المرسوم 7308 والمادتين 81 و82 من الدستور حيث لا يتم فرض أو تعديل ضرائب إلا بموجب قوانين تصدر عن مجلس النواب، يؤكد القعقور أنه سبق لهؤلاء النواب أن طالبوا عبر اتصالات شخصية معهم بالطعن بقرارات الوزير المخالفة لجوهر قانون الموازنة والقوانين الضريبية المحددة في الدستور، لكنهم لم يقتنعوا بإمكانية ذلك، معللين رأيهم بأن “الطعن بقرارات الوزير تتم فقط عبر مجلس شورى الدولة وليس عبر المجلس الدستوري”. وهنا يحيل القعقور النواب إلى النصوص القانونية الواردة في قانون إنشاء المجلس الدستوري ومنها المادتان 1 و18: “يعطى الحق والصلاحية للمجلس الدستوري للنظر بقانونية المراسيم (وبالطبع تشمل هنا قرارات الوزير) وسائر النصوص التي تصدرها الحكومة نتيجة تفويض تشريعي يعطيه مجلس النواب للحكومة”.
وتمنى القعقور ألا يكرر هؤلاء النواب هذه التجربة عند مناقشة مشروع موازنة 2023، مع ضرورة إلغاء نصوص لنمط جديد تريد الحكومة فرضه على المجلس النيابي عبر تضمين موازنة 2023 نصا يمكّن وزير المال من تعديل شطور ضريبية وتنزيلات عبر قرارات تصدر عنه من دون الرجوع إلى مجلس النواب استنادا إلى نسبة التضخم الصادرة عن الإحصاء المركزي، وهذه التعديلات تتعلق بضريبة الأملاك المبنية ورسوم الإنتقال وضرائب الربح المقطوع والحقيقي، إضافة إلى ضريبة الرواتب والأجور. فالمطلوب برأيه “حصر كل هذه التعديلات والصلاحيات بمجلس النواب وعدم السماح بتمريرها ضمن الموازنة ونقلها إلى وزير المال”.