تعديل التعميم 158 أوقف “الهيركات” المقنع؟ تجميل خارجي يجفف من خلاله المركزي السيولة

تعديل التعميم 158 أوقف “الهيركات” المقنع؟ تجميل خارجي يجفف من خلاله المركزي السيولة

في انتظار عودة شرايين الدولة إلى وظائفها التي تعطلت منذ مطلع الأزمة المالية وانهيار سقف الأمان الاجتماعي للبنانيين، يحاول من بقي على قيد المسؤولية إجتراح ما أمكن من أفكار وقرارات تصبّ في خدمة الاستقرار، أو تقليص الأضرار على المواطنين بما أمكن. ويأتي القرار الأخير للمجلس المركزي في مصرف لبنان، بتعديل التعميم 158 في السياق الذي يحاول عبره الحاكم رياض سلامة أن يضع أمام المجلس المركزي الذي يستعد لوراثته في قيادة مصرف لبنان، خريطة طريق تساعده في مواجهة معضلات التضخم، ونقص السيولة بالعملة الصعبة، وغضب المودعين.التعديل الأول المُساعد، الذي أُقِر على التعميم 158 هو إلغاء إلزام المودع سحب مبلغ 400 دولار، مقوّمة بالليرة اللبنانية على سعر صرف 15 ألفا، ما يعادل حاليا 6 ملايين ليرة، يسحب نصفها نقداً، والنصف الآخر يستعمل عبر البطاقة المصرفية، بما يعني أن وفرا هائلا من السيولة بالليرة يعادل 285 مليارا، تم حجبها عن السوق شهريا، إذا ما احتسبنا عدد المستفيدين حاليا المقدّرين بـ 95 ألف مودع، وهو ما يساعد في خفض كبير لنسبة التضخم.
التعديل الثاني، بالنسبة للمودع الذي لم يستفد قبلا ويريد الافادة حاليا من التعميم، خفض مبلغ الـ 400 دولار النقدي، إلى 300 دولار، ما يسمح لمصرف لبنان بتوفير نحو خمسة ملايين دولار شهريا من احتياطاته الأجنبية التي تتآكل يوما بعد يوم.
بَيد أن ما لفت إليه كثيرون هو أن “المركزي” بقراره إلغاء شق إلزامية سحب الليرة اللبنانية من التعميم، أوقف عملية “الهيركات” التي كانت تمارَس على كل مودع تقدم للإفادة من التعميم 158، حيث كان ملزما بيع 400 دولار لمصرف لبنان بسعر 15000 ليرة (كان سابقا 12000)، وبهذا حفظ المجلس المركزي بتعديله الأخير، بقايا أموال المودعين، وأوقف عنها “الهيركات” المقنَّع، الذي كان يقبل به صغار المودعين وفق قاعدة “مكره أخاك لا بطل”. ولكن اين تكمن الحقيقة؟ وهل التعديل دعائي اكثر منه خدماتيا؟
بمجرد قراءة الارقام يتبين ان 95 الف مودع من اصل مليون مودع في لبنان، يستفيدون من التعميم، وقد تناقص العدد من 180 الفا الى 95 الفا، لانهم كانوا يملكون ما دون العشرة الاف دولار في ودائعهم، بحيث انها نفدت من السنة الاولى، وفقدوا نعمة الافادة من الدولارات الفريش.
الامين العام لجمعية المصارف فادي خلف أكد لـ”النهار” أن تعديل التعميم 158 جاء في مصلحة المودعين حيال عدم إلزام المستفيدين منه قبل تعديله أن يسحبوا 400 دولار على سعر 15 الفا، وتاليا أصبح المودع يحصل على امواله من دون اي اقتطاع، ولكن بالتقسيط لفترة طويلة جدا، خصوصا لمن لديه ودائع متوسطة وكبيرة. لكنّ خلف الذي أوضح أنه حتى اليوم لم يتبين عدد الذين تقدموا للافادة من تعديل التعميم، توقع أن يرتفع العدد، خصوصا أنه أوقف “الهيركات” على ودائعهم، وهو ما دفع الكثير من العملاء إلى رفض التوقيع على التعميم وعدم الافادة منه.
أما رئيس جمعية المودعين حسن مغنية فشدد على أنه “لا يمكن الحديث عن كل ما يتعلق بالمودعين بالتجزئة، وإنْ سلّمنا جدلا بأن تعديل التعميم 158 يوقف الهيركات على الودائع، إلا أن لا شيء يحصل حاليا يصب في مصلحتهم”. وسأل: “هل يمكن لصاحب البنك أو أي لبناني، أن يعيش بـ 300 دولار أو 400 دولار؟”، هذا المبلغ برأيه “بالكاد يغطي اشتراك المولّد”. واذ اقترح أن يصدر مصرف لبنان تعميما يقضي بإعطاء المودع “ما يوازي الكلفة الحقيقية للمعيشة بكرامة، اي أقله 1000 دولار شهريا”، أكد أن “ثمة مودعين مهتمين بالافادة من التعميم 158 بعد تعديله لاقتناعهم بأن الازمة طويلة، وتاليا الافضل لهم أن يخرجوا ما تيسر من ودائعهم من المصارف، وإن كان بالتقسيط المريح”.
مصادر اقتصادية اعتبرت أن “التعميم 158 أساسا لم ينصف المودعين بل كان مجحفا في حقهم، وأدى الى خسارة اكثر من 85% من قيمة دولاراتهم مقارنة مع سعر الدولار في السوق السوداء”، ولاحظت أنه “ليس صحيحا أن تعديله خفف معاناة المودعين، إذ كان في امكان مصرف لبنان أقله اعطاء المودع مبلغ 400 دولار كاش و400 دولار أخرى على سعر صيرفة بدل أن تكون على سعر 15 ألف ليرة”.
وإذ وضعت تعديل التعميم في مصلحة مصرف لبنان بغية تخفيف كمية النقد بالتداول في السوق، أشارت المصادر نفسها الى ان “الهدف الاساسي من هذه الخطوة هو محاولة “المركزي” تجفيف مصادر الليرة اللبنانية في السوق، بما سيساهم في خفض سعر الدولار في السوق السوداء”.
المستفيدون من التعميم 158 سيستكملون عمليات السحب على أساس 400 دولار شهريا حتى نفاد المبلغ المحوّل إلى حسابهم الفرعي الذي كان يضخ فيه نحو 4800 دولار سنويا على اساس 400 دولار شهريا. أما العملاء الجدد الذين ينوون الافادة من تعديل التعميم فسيضخ في حساباتهم الفرعية 3600 دولار سنويا على اساس 300 دولار شهريا.
واستنادا الى مصرف لبنان، فقد بلغ عدد العملاء الذين افادوا من مفاعيل التعميم الاساسي الرقم 158 تاريخ 8 حزيران 2021 ما مجموعه 180,976 عميلا حتى نهاية نيسان 2023، وبلغ المبلغ الاجمالي المدفوع لهؤلاء العملاء ما يوازي 1,778,604,896 دولارا منها 889,474,488 دولارا دُفعت نقدا مناصفة بين مصرف لبنان والمصارف.
من جهة اخرى، سددت المصارف كامل الرصيد لـ 87,623 حسابا خاصا متفرعا حتى نهاية نيسان 2023، اي ما نسبته 48,42% من مجموع الذين تقدموا بطلب الافادة من مفاعيل التعميم 158، وما زال ما مجموعه 93,583 عميلا يفيدون من مفاعيله في ايار 2023، علما ان هذا الرقم قد يتبدل مستقبلا في حال قرر عملاء جدد الافادة من هذا التعميم.
وقد توزعت تلك الحسابات بنسبة 92,92% للمقيمين
و7,08% لغير المقيمين، كما توزعت بنسبة 55,12% للذكور و 44,88% للاناث، ويفيد غير اللبنانيين من 6% من تلك الحسابات. أما رصيد جميع الحسابات الخاصة المتفرعة والتي لا زالت قائمة نهاية شهر نيسان 2023 فبلغ مجموعه 1,049,816,760 دولارا اميركيا”.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع النهار