في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في لبنان وانهيار الليرة وشح فرص العمل وعجز وزارة التربية والتعليم العالي، قد يصبح التعليم الجامعي حكراً على فئة من الطلاب مع ارتفاع قيمة أقساط الجامعات الخاصة، بينما الجامعة الرسمية الوحيدة في لبنان والتي تشكل ملجأً للفئات الاكثر فقراً تنازع للبقاء. ويقف الطالب اللبناني مكبّل اليدين حيث أصبح من المستحيل تحقيق أهدافه كاملة. فهل فعلاً أصبح العلم في لبنان فقط للميسورين؟
إن عدد طلاب الجامعة اللبنانية يوازي عدد الطلاب الموزعين على الجامعات الخاصة الذين باتوا ملزمين بدفع أقساطهم بالدولار النقدي، إما كاملاً أو جزئياً. ولكن رغم التحوّل إلى الدولرة الكليّة أو الجزئية، فإن حركة التسجيل في بعض الجامعات الخاصة للعام الدراسي 2022 ـ 2023 تشير إلى ارتفاع ملحوظ في أعداد الطلاب الجدد، بسبب تعطّل عمل جامعة الوطن ونزوح عدد من طلابها الى الجامعات الخاصة.
دولرة شاملة
قررت كبرى الجامعات الخاصة في لبنان دولرة الأقساط بالكامل، أي تحصيلها بالدولار النقدي بحجة الاستمرارية، ما يعني عجز الشريحة الأكبر عن الالتحاق بهذه الجامعات، التي تقول إنها خصصت مساعدات لمنحها للطلاب، ولكن تبقى هذه المساعدات غير كافية في ظل استمرار الانهيار في البلد. فالدولرة الشاملة للأقساط اقتصرت على جامعتين فقط: جامعة LAU و الجامعة الأميركية.
جامعة LAU
الجامعة اللبنانية الأميركية LAU قررت اختصار الطريق، وانتقلت إلى دولرة القسط بشكل كامل، بعدما كانت قد رفعت أقساط فصل الربيع للعام 2021، بداية على سعر صرف 3900 ليرة للدولار الواحد ومن ثم على سعر صرف 8000 ليرة للدولار الواحد، ومن ثم الدولرة بالكامل لكل الرسوم الجامعية بدءاً من خريف 2022 بسبب اتّساع الفجوة بين ما تتقاضاه وما تسدّده من تكاليف تشغيلية، وهجرة الأساتذة والموارد البشرية الكفوءة. فباتت الاقساط تدفع بالدولار النقدي من دون اللجوء إلى أسعار صرف متعددة للدولار كباقي الجامعات، لكنها في المقابل رفعت حجم المنح التي تُقدم للطلاب إلى نحو مئة مليون دولار. فمن خلال الاطلاع على الموقع الإلكتروني الخاص بها، وصل القسط السنوي لاختصاص دكتور صيدلة الى 26400 دولار «فريش»، و33822 دولاراً لاختصاص الطب للطلاب الجدد (عام 2022-2023) حيث تنخفض الرسوم للطلاب القدامى تدريجياً وصولاً الى 30430 دولاراً في السنة الواحدة. أما بالنسبة لاختصاص الهندسة فلقد وصل قسط الفصل الواحد الى 10154 دولاراً حيث يبلغ سعر الرصيد الواحد (credit) 848 دولاراً، و9938 دولاراً للفصل الواحد في ادارة الأعمال ويبلغ سعر الرصيد الواحد 827 دولاراً.
الجامعة الأميركية
وكذلك فعلت الجامعة الأميركية في بيروت AUB التي اتجهت نحو الدولرة الكاملة التدريجية على ثلاث سنوات، حيث يدفع الطالب 60 بالمئة من القسط بالدولار في بداية العام الجامعي 2022 ـ 2023، و80 بالمئة في العام الذي يليه، وصولاً إلى تقاضي الاقساط 100 بالمئة بالدولار، ولكن مع تقديم المنح والمساعدات للطلاب بحسم بحدود الـ 40 بالمئة من الاقساط ويطبّق هذا الأمر على الطلاب الذين لا يتقاضى أهلهم رواتب بالدولار. وعلى سبيل المثال وصل سعر الرصيد الواحد الى 874 دولاراً لاختصاص الهندسة، و846 دولاراً لاختصاص ادارة الاعمال، و 626 دولاراً لاختصاص التمريض، و814 دولاراً لاختصاص العلوم الصحية. أضف الى ذلك الرسوم الأخرى التي يفترض دفعها الى جانب القسط السنوي والتي تتفاوت حسب الاختصاص.
الجامعة الانطونية
وقررت جامعات خاصة أخرى في لبنان دولرة الأقساط بشكل جزئي، أي تحصيل قسم من الأقساط بالفريش دولار والقسم الآخر بالليرة اللبنانية: ففرضت الجامعة الانطونية مبلغاً مقطوعاً بقدر 180 دولاراً نقدياً في الفصل الواحد على كل الطلاب في العام الدراسي الفائت، مبقية القسط باللبناني على حاله. أما في العام الدراسي الحالي، ورغم أنها أبقت على أقساطها باللبناني من دون أي تعديل، إلا أنها فرضت قسماً بالدولار النقدي يختلف بين اختصاص وآخر، ويصل أقصاه إلى 750 دولاراً في كلية الهندسة. فعلى سبيل المثال، القسط السنوي لاختصاص إدارة الأعمال يقسم الى قسمين: 16,000,000 ليرة لبنانية و 1000 دولار نقدي حيث يدفع 500 دولار في كل فصل، وكذلك إختصاص الهندسة الذي يصل الى حوالى 20,000,000 ليرة لبنانية و1500 دولار نقدي للسنة الواحدة. وتصل الأقساط في كلية الإعلام الى ما يقارب 18,000,000 ليرة لبنانية و900 دولار نقدي في السنة، ويتراوح المبلغ بالدولار في السنة الواحدة بين 600 و 1300 دولار في كلية الصحة العامة الى جانب المبلغ المحدد بالليرة اللبنانية والذي يتراوح بين 13,000,000 و20,000,000 ليرة لبنانية بحسب الاختصاص. أضف الى ذلك الرسوم الأخرى التي يفترض دفعها الى جانب القسط السنوي والتي تتفاوت حسب الاختصاص.
بيروت العربية
جامعة بيروت العربية BAU اتبعت نفس نمط الجامعة الانطونية، حيث على الطلاب دفع قسم من اقساطهم بالدولار والقسم الآخر بالليرة البنانية، حيث يتوجب الدفع في الفصل الواحد (per semester) 21,037,500 ليرة لبنانية و701 دولار لمن يرغب التخصص في كلية علم النفس، و21,993,750 ليرة لبنانية و733 دولاراً لمن يرغب بالانضمام الى كلية الحقوق والعلوم السياسة، 26,500,000 ليرة لبنانية و833 دولاراً لاختصاص ادارة الأعمال، وترتفع هذه الاقساط الى 35,607,000 ليرة لبنانية و1187 دولاراً لمن يرغب الانضمام الى كلية الهندسة، 51,930,000 ليرة لبنانية و1731 دولاراً لاختصاص الصيدلة، 62,627,500 ليرة لبنانية و 3372 دولاراً لاختصاص الطب.
جامعة الحكمة
لجأت جامعة الحكمة إلى فرض رسم تسجيل فصلي يقدر بـ 200 دولار نقدي، إضافة إلى رسوم تشغيلية بقيمة 300 دولار نقدي لكل فصل دراسي. وبالنسبة للوحدات التعليمية، التي يختلف سعرها من اختصاص إلى آخر، ستتم على سعر صرف 1500 ليرة للدولار. ما يعني أنه على الطالب دفع 1000 دولار نقدي سنوياً الى جانب الوحدات التعليمية. ويتراوح سعر الرصيد الواحد في كلية الهندسة بين 300,000 و 577,500 ليرة لبنانية بحسب الاختصاص، وبين 525,000 و812,500 ليرة لبنانية للإجازة في كلية الحقوق، وبين 500,000 و525,000 ليرة لبنانية للإجازة في ادارة الاعمال.
سيدة اللويزة
قررت جامعة سيدة اللويزة NDU تحديد سعر الوحدة التعليمية على سعر صرف 8 آلاف ليرة للدولار، حيث يختلف سعر الوحدة من اختصاص إلى آخر، ويصل أقصاه في اختصاص الهندسة إلى 670 دولاراً.
البلمند
حددت جامعة البلمند الدفع بالدولار النقدي وبالليرة اللبنانية، على سبيل المثال وصل سعر الوحدة في العلوم الصحية الى 130 دولاراً و1,760,000 ليرة لبنانية، وفي كلية الهندسة الى 143 دولاراً و1,930,000 ليرة لبنانية، وفي كلية التكنولوجيا الى 73 دولاراً و985,000 ليرة لبنانية، وفي كلية ادارة الاعمال الى 127 دولاراً و 1,725,000 ليرة لبنانية. ووصل القسط السنوي لكلية الطب إلى 8200 دولار و111,000,000 ليرة لبنانية.
القديس يوسف
حددت جامعة القديس يوسف USJ تقاضي 20 بالمئة من الرصيد الواحد بالدولار و80 بالمئة باللبناني على سعر صرف 12000 ليرة لبنانية لكل الاختصاصات حيث يتراوح سعر الوحدة بين 170 و260 دولاراً. على سبيل المثال، يبلغ سعر الرصيد الواحد في اختصاص التمريض 178 دولاراً، ما يعني دفع 35.6 دولاراً نقداً و 142.4 دولاراً على سعر صرف 12000 ليرة لبنانية ما يعادل 1,708,800 ليرة لبنانية.
فياض: الرقابة غائبة والتسهيلات مطلوبة
أوضح الدكتور فادي فياض (*) أن «الفروقات في الاقساط بين جامعة وأخرى تعود الى المستوى التعليمي للجامعة وفئتها، ونوع التلاميذ المسجلين فيها وحجم مصاريفها التشغيلية. إذ قسّم الجامعات الى عدة فئات. فبالنسبة لبعض الجامعات هذه الزيادات مبررة لتتمكن من الحفاظ على تميّزها وجودتها وعلى الموارد البشرية من أساتذة وأطباء، وتفادياً لأي إغلاق ممكن أن ينتج عن هذه الأزمة. أما بالنسبة للقسم الآخر من الجامعات التي رفعت الاقساط من دون أي دراسة اقتصادية واضحة ومن دون أي مقارنة مع الجامعات في الخارج وفي الدول العربية، فهي غير مبررة برأيه… وتبقى المشكلة في غياب الرقابة على الجامعات الخاصة في لبنان من قبل الوزارة الأمر الذي يؤدي الى زيادة الأقساط بطريقة عشوائية بدون أي رقيب». وتابع فياض الحديث بتسليط الضوء على معاناة الطلاب: «فمن جهة هناك قسم من أهالي الطلاب الذين حجزت أموالهم في المصارف ويعجزون عن التصرف بها مقابل جامعات تطالب الدفع بالـ(كاش) وترفض الشيكات المصرفية. والقسم الآخر الذي ينتظر تحويلات ذويه من الخارج لتسديد الأقساط الجامعية». ويرى فياض أنه «من الضروري مساندة الطلاب في هذه الظروف الصعبة التي يمر بها لبنان». فعلى الجامعات أن تقدم التسهيلات للطلاب «من خلال تقسيم الدفعات المتوجبة عليهم، أي تقسيم تسديد القسط السنوي الى 7 أو 8 دفعات بدلاً من حصرها بـ 3 أو 4 دفعات».
(*) مدرب في الفرع الأول في كلية التربية في الجامعة اللبنانية
حلواني: أين جامعة الوطن؟
فكما شهدت المدارس الخاصة ارتفاعاً في أعداد طلابها بسبب الإضراب المستمر في قطاع التعليم الرسمي، فإن أعداد الطلاب في الجامعات الخاصة سجل ارتفاعاً نتيجة الظروف التي تمرّ بها الجامعة اللبنانية. والى جانب نزوح الطلاب من الرسمي الى الخاص، فهناك نزوح من الجامعات الخاصة الى أخرى أقل كلفة. ولا ينكر رئيس الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية، الدكتور عامر حلواني، تراجع عدد الطلاب في الجامعة اللبنانية نتيجة الظروف الصعبة، من جهة على الأساتذة ومن جهة أخرى على الطلاب. ويوضح أن «الطاقم التعليمي عاود التعليم حضورياً على الرغم من هجرة عدد كبير من الاساتذة، وتفاقم حالات اليأس والإحباط لدى الذين ما زالوا هنا. والمشكلة تبقى لدى عدد من الطلاب غير القادرين على تحمل أعباء النقل. فلذلك يجب دعم الطالب اللبناني والنظر الى وضعه الاجتماعي». ويدعو حلواني الجمعيات والمؤسسات الأهلية والبلديات إلى مساعدة الطلاب ليتمكنوا من الوصول الى الجامعات. أما بالنسبة لوضع الاساتذة، فلقد حان وقت تعديل الرواتب ووضع حد أدنى لها.
فلقد دفعت هذه الأزمة عدداً كبيراً من الطلاب الى التسرب من التعليم، أو التوجه نحو جامعات أقل كلفة وأقل جودة، أو الهجرة وخسارة الأدمغة في لبنان. فإن لم تشغل هذه الحالة بال المعنيين، وإذا بقي موضوع التعليم مهمشاً، سيصبح مستقبل شبابه في خطر، وسنشهد المزيد من حالات الفقر والبطالة واليأس، خاصة وأن موضوع الجامعة الرسمية الوحيدة التي كانت تضمن طبقة محدودي الدخل ما زال بعيداً عن أنظار المعنيين.