يُسلط الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، الضوء على تداعيات الأزمة الإقتصاديّة وخطورتها على الصعيدَين الإجتماعي والأمني، ويلفت بداية إلى أن «الجميع يعلم أنه ومنذ نهاية العام 2019 دخل لبنان بأزمة أدّت إلى إنهيار إقتصادي وإجتماعي كبير لم يشهد له لبنان واللبنانيين مثيلاً حتى إبّان فترة الحرب الأهليّة، حيث ارتفع سعر صرف الدولار من 1500 إلى نحو 39 ألف ليرة وفقدت الليرة اللبنانية قدرتها الشرائية، فنسبة 90% من اللبنانيين الذين يعملون داخل لبنان يتقاضون رواتبهم بالليرة اللبنانية التي فقدت قيمتها الشرائية في ظلّ إرتفاع مستمر للأسعار وعدم زيادة الرواتب بشكلٍ يتوافق مع هذه الزيادة».
وبالطبع هذا الواقع إنعكس إرتفاعاً في نسب البطالة، ويُشير شمس الدين إلى أنّ «نسبة التضخم المُسجّلة هي بحدود 870%، أما الأجور فقد تضاعفت مرتين او ثلاث، وبالتالي فإن زيادة الأجور لم تترافق مع زيادة الأسعار، ممّا أدّى الى تفاقم الاوضاع الاجتماعية فارتفعت نسبة البطالة إلى نحو 38%، وتجاوزت نسبة الفقر 55% بعدما كانت قبل الأزمة لا تتجاوز 25%، وهذا الواقع كان له إنعكاس خطير إجتماعياً، إذ تراجعت نسب الزواج وبالتالي نسب الولادات ما أثر على كل بنية المجتمع اللبناني».
ويشرح في هذا الإطار، بأنّ «تراجع القدرة الشرائية أثّر على تقلص الأعمال فعمد الكثير من المؤسسات الصناعية والسياحية والمطاعم إلى الاقفال، والدليل تراجع حركة الإستيراد في لبنان، فبعد ان كانت في العام 2018 بحدود 19 مليار دولار، أصبحت في العام 2020 بحدود الـ11 ملياراً، وإن ارتفعت في العام 2021 إلى 13 مليار دولار، وبالبطع كل ذلك كما يؤكد مردّه إلى فقدان اللبناني لقدرته الشرائية وتراجع الإستيراد».
ويُوضح أنه «عندما يتراجع الإستيراد تنكمش الحركة وخصوصاً أنّه ليس هناك من بدائل محلية، وبدوره سيرتد الانكماش الإقتصادي على إنتشار البطالة وإقفال المؤسسات».
ويرى شمس الدين، أنّ «هذا الوضع الإقتصادي مُستمرّ بالتراجع والإنهيار، فالدولة هي بحالة عجز، وأكبر دليل على ذلك لجوئها الى الإستدانة عبر مصرف لبنان لتأمين إيرادات غير كافية لتوفير النفقات، والبنك المركزي بدوره يتولّى طباعة العملة، ما يؤدي إلى التضخم، ففي بداية الأزمة كانت قيمة العملة النقديّة التي يطبعها مصرف لبنان تبلغ نحو 11 ألف مليار ليرة، بينما الآن وصلت إلى حدود الـ61 ألف مليار ليرة أيّ أن الدولة تجمع حاجتها أو العجز الذي تقع فيه، من خلال طباعة الليرة اللبنانية، وهذا يؤدّي الى فقدان الليرة قيمتها أكثر فأكثر».
ويُضيء أيضاً على التداعيات الخطيرة للوضع الإقتصادي الذي وصلنا إليه فقال عن الوضع الأمني في البلاد انه «في العام 2018 والذي كان يُعد عاماً طبيعياً، سُجّل فيه سرقة 544 سيارة، بينما في العام 2021 بلغ عدد السيارت المسروقة 1317 سيارة، أي إرتفع عدد السيارات المسروقة بنسبة 142% أيّ هناك نحو 4 سيارات تُسرق في اليوم الواحد».
ويضيف: «من المؤشرات أيضاً حوادث السرقة، اذ تزايد عدد عصابات السرقة نتيجة الإنهيار الإقتصادي، في العام 2018 سُجّل نحو 1391 سرقة، وارتفع العدد في العام 2021 إلى 5940 أي إرتفع بنسبة 327%. كما ان التسيّب الأمني أدّى إلى إرتفاع جرائم القتل، فمن 121 جريمة عام 2018 زاد العدد إلى 207 عام 2021 مرتفعاً بنسبة 71%».
ويخلص شمس الدين إلى القول بأنّ «كل هذه المؤشرات مُقلقة، وإذا استمرّ الوضع على ما هو عليه ومع ما يترافق معه من إنهيار للدولة وإنحلال المؤسسات الأمنية، هناك خوف من أن نشهد المزيد من حالات التفلت والحوادث الأمنية والمشاكل في لبنان».
تداعيات البطالة
وأمّا عن إنعكاسات حجم البطالة المرتفع على فئة الشباب، يُشير رئيس مؤسسة «لابورا» الأب طوني خضرا إلى أنّ «حجم البطالة مرتفع جداً»، ووفق تقديراتهم وأرقامهم فإنّ نسبة البطالة قُدّرت لدى الشباب بما يُقارب الـ 65% أيّ من بين كلّ 100 شاب وصبيّة هناك من 30 إلى 35 منهم من دون عمل».
ويشرح الأب خضرا خطورة تداعيات البطالة على الشباب: «فالعاطل عن العمل لكي يملأ وقته سيلجأ إلى الشيطان وكذلك القيام بالعادات السيئة كالسكر وتعاطي المخدرات»، ويستشهد هنا بمثل فرنسي يقول: «إذا بدك تقتل الوقت عبّيه»، ويضيف، «إذاً فعندما لا يتوفر للشباب فرصة عمل لتعبئة وقتهم فمن الطبيعي أن ينجرفوا تجاه أي شيء من أجل قتل الوقت، وهنا المصيبة حيث بدلاً من القيام بقتل الوقت يقوم الوقت بقتلهم»، والخطورة هنا تتمثل بكون مجتمعنا اللبناني غير مهيأ للإهتمام بالأشخاص والأفراد العاطلين عن العمل على عكس دول الخارج، ففي فرنسا مثلا الدولة تسعى إلى تأمين عمل للأفراد العاطلين عن العمل ومساعدتهم في تخطي مشاكل الحياة».
ويؤكّد الأب خضرا بأنّ «البطالة هي سبب أساسي ورئيسي لـ «تقهقر» الشباب ودخولهم بالعادات السيئة وبالأمور التي لا تبني المجتمع بل على العكس تهدم المجتمع، لهذا السبب «لابورا» تُناشد دائماً الدولة اللبنانية وتدعوها لتشكيل حكومة جديدة تضع في أولوياتها تأمين فرص عمل للشباب، فالموازنة أقرت ولا تتضمن أية مشاريع إنمائية تخصّ الفئة الشبابية وتساعدهم في إيجاد فرص عمل».
ويسأل: «أين دعم الدولة للمؤسسة الوطنيّة للإستخدام ولقانون العمل من أجل حماية اليد العاملة اللبنانية».
ناقوس الخطر
ودق ناقوس الخطر، اذ حذّر بأنّنا «في وضع إقتصادي سيئ جداً للغاية وهو ما قد يدفع الشباب اللبناني إلى الدخول في مشاكل وتحديات لا تُحمد عقباها» وهكذا نخسر شبابنا، اذ هناك الكثير من الشباب اليائسة تسلك طريق الشرّ بسبب افتقادها الى عمل يؤمن لها مردوداً مادياً يُمكنها من العيش حياة كريمة»، ويذكر هنا بأنّ «هناك حالات تضطر للعمل مجاناً حتى تقتل الوقت بدلاً من أن يقتلها». ويتمنّى الأب خضرا على الدولة اللبنانية وكافة المنظمات غير الحكومية NGO وكذلك المؤسسات الدولية المحلية العمل على إيجاد حل لهذا الموضوع نظراً لخطورته»، ووفق تصوره فإنّه «يتمّ العمل على هذا الموضوع». ويتوجّه إلى إدارات الجامعات طالباً منهم «إعادة النظر في الإختصاصات الموجودة في جامعاتهم، اذ أصبح هناك إختصاصات جديدة، ووجه لبنان تغير وبات بعض الإختصاصات لا يوفّر فرص عمل».
ويخلص الأب خضرا إلى القول، بأنّ «كل هذه العوامل تخلق وتسبب الفوضى وعدم الإستقرار، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى ضياع شبابنا، فـ»لابورا» نعمل من خلال برامجها على تدريب وتوظيف الشباب، لأن شبابنا هم ضمانة لبنان وصورته المستقبلية». في هذه «الظلمة والضبابية» التي تكتنف الواقع اللبناني يبقى السؤال: ما المصير الذي ينتظر شبابنا؟
تراجُع القدرة الشرائية يقلّص الأعمال ويقفل أبواب المؤسسات مستقبل شباب لبنان في “مهبّ الريح” ونِسَب البطالة تتفاقم
يُنذر الوضع الاقتصادي بمزيد من التدهور، تعجز عن لجمه، موازنة ملتبسة بأرقام الصادرات والواردات و بمضاعفة رواتب القطاع العام، ومن شأنها أنْ تزيد من التضخم والإنكماش ومن حجم «القهر المعيشي» المؤدي حتماً الى زيادة نسبة البطالة، لا سيّما بين الشباب، بعدما بلغت أرقاماً قياسية نسبةً إلى السنوات التي سبقت الأزمة منذ نهاية العام 2019. فما هو تأثير هذا الإرتفاع في نسبة البطالة على الواقع الإجتماعي والنمو الإقتصادي؟ وهل وصلنا إلى نقطة اللاعودة في معالجة أسباب الأزمة وبالتالي إلى خلق مزيد من الأزمات النفسية لشريحة كبيرة من اللبنانيين وإلى التوجّه نحو الهجرة بشقَّيها الشرعي وغير الشرعي؟