من المعلوم أن الاقتصاد اللبناني بات مدولراً بنسبة كبيرة، ارتفعت خصوصاً بعد انفجار الأزمة الاقتصادية والمالية في تشرين الأول العام 2019، واتجاه السوق والمواطنين إلى التعامل النقدي في عمليات البيع والشراء أو حتى في الادخار، بالعملات الأجنبية وخصوصاً الدولار، في ظل فقدان الثقة بالليرة اللبنانية وانهيار قيمتها التي فقدت أكثر من 95% من قوّتها الشرائية.
وتتصاعد في أوساط الخبراء الماليين والاقتصاديين اتجاهات اعتماد الدولرة الشاملة للاقتصاد، واتخاذ الدولار كعملة للتداول في لبنان، طالما أنه يستورد أكثر من 90% من حاجياته، كأحد الحلول الأساسية للبدء بالخروج من الأزمة، على أن يترافق ذلك مع تسعير مختلف السلع والبضائع والخدمات بالدولار، وصولاً إلى الضرائب والرسوم والأجور في القطاعين العام والخاص.
ويؤكد رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، لموقع القوات اللبنانية الإلكتروني، أن “الدولرة يمكن أن تكون الحلّ لمعظم المشاكل النقدية والأزمات الاقتصادية والمعيشية التي يعانيها الشعب اللبناني، إذ إن السبب الأول للفقر في لبنان اليوم، هو ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية، أو انهيار الليرة”.
ويلفت، إلى أن “هذا يعني، أن المواطن اللبناني الذي كان يتقاضى 3 ملايين ليرة مثلاً كمعاش شهري، كانت تمنحه قدرة شرائية بقيمة 2.000 دولار، فيما الـ3 ملايين ليرة تعطي المواطن قدرة شرائية اليوم بنحو 100 دولار. ولذلك، في حال دولرة الرواتب والأجور، على الأقل يحتفظ المواطن بقدرته الشرائية بهذه القيمة الفعلية”.
ويوضح أنه، “في هذه الحالة، حتى لو ارتفع الدولار إلى 50.000 ل.ل. أو 60.000 ل.ل أو أكثر مثلاً، لا ينخفض المعاش الشهري إلى 50 دولاراً أو أقل بفعل انهيار قيمة الليرة أكثر، بل يبقى 100 دولار. وفي حال مُنح زيادة على معاشه ستكون بالدولار الذي يحتفظ بقيمته، فلا نعطيه زيادة على المعاش بالليرة بيد ونأخذها منه باليد الأخرى عن طريق التضخم، تبعاً لارتفاع سعر صرف الدولار وفقدان الليرة لمزيد من قيمتها الشرائية”.
لكن مارديني يشدد، على أنه “كي نتمكن من الدفع للعامل والموظف اللبناني بالدولار، يجب أولاً أن نسمح للشركات والمؤسسات التجارية بالتسعير بالدولار، وهذا هو الأساس، لأن الشركة التي تسعِّر وتقبض بالليرة لا يمكنها أن تدفع للعامل والموظف بالدولار. بالتالي، الخطوة الأولى المطلوبة يجب أن تكون السماح لجميع الشركات التسعير بالدولار، وبعدها يصبح من الطبيعي تغيير العقود والأجور إلى دولار، ويمكننا بالتالي الدفع للموظفين والعمال بالدولار، كخطوة ثانية”.
ويشير، إلى أنه “يلي ذلك، المرحلة الثالثة المتعلّقة بموظفي القطاع العام. فبما أن الشركات أصبحت تُسعِّر وتقبض بالدولار، يصبح بإمكانها بالتالي دفع الضرائب والرسوم المتوجّبة عليها للخزينة بالدولار. لا كما يحصل اليوم، إذ يسعى المسؤولون لرفع الدولار الجمركي فيما الشركات مجبرة على التسعير والقبض بالليرة، وهذا أمر غير منطقي كلياً”، لافتاً إلى أن “مسألة الدولار الجمركي يمكن أن تأتي بعد دولرة الأسعار ودولرة الضرائب والرسوم، الأمر الذي سيسمح للدولة بالدفع لموظفيها بالدولار أيضاً”.
بالتالي، “كل شيء يجب أن يبدأ أولاً بدولرة الأسعار”، وفق مارديني، مضيفاً أن “هذا يمكن أن يصبّ لمصلحة الشعب اللبناني وحمايته والتخفيف من وطأة الأزمة والضغوط التي يرزح تحتها، كما يخفِّف من نسب الفقر المستشري، أو على الأقل يخفِّف من ارتفاعها”، موضحاً أن “مصير الليرة الموجودة في التداول نقداً بين أيادي الناس، أو الموجودة في المصارف، هو من خلال شرائها كلها من قبل مصرف لبنان واتلافها، وهو قادر على ذلك والتكلفة لا تتجاوز الـ4 مليار دولار تقريباً”.
ويعتبر مارديني، أننا بذلك “نكون أنهينا الأزمة النقدية ومشكلة انهيار سعر صرف الليرة، لأننا نكون ببساطة قد استبدلنا الليرة بالدولار وأصبحت عملتنا الدولار، كما هو الحال في الإكوادور وبنما والسلفادور، وكذلك كما هو حاصل في كل الاتحاد الأوروبي، حيث لم يعد هناك اليوم فرنك فرنسي أو مارك ألماني أو ليرة إيطالية ولا عملات برتغالية أو إسبانية أو غيرها، بل الجميع يعتمد اليورو كعملة موحّدة”.
ومثالاً على ذلك، يشير مارديني، إلى “النتيجة الجيدة التي حققها القطاع السياحي هذا الصيف إذ دخل نحو مليون و200 ألف سائح إلى لبنان، وتقدَّر عائدات السياحة لهذا الموسم بنحو 4 مليار دولار نقداً، أي أفضل من السنتين الماضيتين”، معرباً عن اعتقاده بأن “أحد أسباب نجاح الموسم السياحي هو دولرة السياحة هذا الصيف، والسماح للفنادق والمؤسسات والمنتجعات السياحية والمطاعم بالتسعير بالدولار”.
ويرى، أن “السياسة التي اعتُمدت هذا الموسم كانت صحيحة وأعطت نتائج إيجابية. ومثالاً على ذلك، لنتخيَّل أن صاحب الأوتيل قام بتسعير الغرفة على دولار بـ20.000 ل.ل. وإذ به يقفز إلى 30.000 ل.ل. بعد يوم أو يومين، ماذا يفعل؟ إذا ترك سعر الغرفة على حاله سيخسر ولن يتمكن من الاستمرار، وإذا رفعه إلى دولار الـ30.000 ل.ل سيخسر زبائنه لأنهم سيفقدون ثقتهم به إذ من غير المنطقي تغيير سعر الغرفة كل يومين”.
بالتالي، يؤكد مارديني، أن “الدولرة خدمت القطاع السياحي في موسم الصيف، وهي تجربة يجب تمديدها. فإذا كانت مفيدة للسياحة الصيفية لأنها أرست استقراراً معيّناً في القطاع السياحي، يجب أن تمدَّد من أجل أن يستفيد هذا القطاع، والاقتصاد عامةً، في موسم الشتاء أيضاً. فلماذا تنفع الدولرة السياحية في الصيف ولا تفيد في الشتاء؟”.
ويشدد، على أن “الأمر ذاته يمكن أن يحصل في مختلف القطاعات. وطالما نفعت الدولرة وأثبتت أنها مفيدة في القطاع السياحي، ستكون كذلك في سائر القطاعات الاقتصادية، مثل الصناعة والزراعة وغيرها، وستُدخل مزيداً من الدولارات إلى البلد”.