أقرّ مجلس النواب في جلسته المنعقدة بتاريخ 26/7/2022 مشروع القانون المعجّل الوارد بالمرسوم رقم /9102/ تحت عنوان “تعديل بعض مواد القانون الصادر بتاريخ 3/9/1956 المتعلق بسرية المصارف والمادة /150/ من القانون المنفّذ بالمرسوم رقم /13513/ تاریخ 1/8/1963 وتعديلاته (قانون النقد والتسليف)، والمادة/23/ من القانون رقم /44/ تاریخ 11/11/2008 وتعديلاته (قانون الإجراءات الضريبية)، والمادة /103/ من المرسوم الاشتراعي رقم /144/ تاریخ 12/6/1959 وتعديلاته (قانون ضريبة الدخل).
ي الثامن من آب الجاري وقّع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون تسعة قوانين أقرّها مجلس النواب في وقت سابق، لكنه لم يوقّع قانون تعديل السريّة المصرفيّة لاعتباره أنه لم يشمل أي “مفعول رجعي”، ويتعارض مضمون إقراره في مجلس النواب مع شروط صندوق النقد الدولي… وقد تردّد أن الدوائر القانونية في القصر الجمهوري ما زالت تدرس القانون، علماً أنه يُصبح ساري المفعول في نهاية مهلة الشهر القانونية لوصوله إلى رئاسة الجمهورية، والمرجّحة نهاية الجاري أو مطلع شهر أيلول المقبل كحدّ أقصى.
في كلتا الحالتين كارثة” يقول رئيس منظمة “جوستيسيا” الحقوقية المحامي الدكتور بول مرقـص الذي يعتبر في حديث لـ”المركزية”، أن “هكذا قانون كان ليُبحث أو يصلح، لو كانت في لبنان “دولة حقوق” توحي بالثقة وتبعث الطمأنينة في نفوس المواطنين والمكلّفين، وقوانين تحمي الخصوصية حتى يُفرجوا عن تفاصيل حساباتهم”.
ويقول: سبق أن حذّرنا من مخاطر إلغاء قانون السريّة المصرفية لما له من آثار سلبية على ما تبقى من القطاع الاقتصادي اللبناني، فطالما تعاظمت الدعوات وتفاقمت الضغوطات لأجل تقويض السرية المصرفية في لبنان تحت ذريعة ضرورة مكافحة الفساد وتبييض الأموال. فعندما أقرّ قانون سريّة المصارف عام 1956، ساهم بشكلٍ كبير في جذب الاستثمارات الأجنبية والعربية من ناحية، ومن ناحية أخرى في تعزيز مكانة القطاع المصرفي اللبناني وفي منحه لقب “سويسرا الشرق”، ذلك لأن السريّة المصرفية شكّلت ركناً أساسياً من أركان الاقتصاد الوطني القائم على النظام الاقتصادي والمصرفي الحرّ وما يستتبع ذلك من حرية تحويل الرساميل وفتح الحسابات المصرفية المشتركة والفردية من أي عملة كانت.
ويُضيف: إلى جانب الأهمية الاقتصادية التي تلعبها السريّة المصرفية، فهي أيضاً تحافظ على قدسيّة الحياة الخصوصيّة للأفراد حتى تجاه أعضاء عائلتهم والمقرّبين منهم، فمديرو ومستخدمو المصارف وكل من له اطلاع بحكم صفته أو وظيفته على قيود الدفاتر والمعاملات والمراسلات المصرفية، ملزمون بكتمان السرّ الذي عرفوا به ولو عن طريق استشارة شخصية أو هاتفية، وهذا الموجب يلازمهم حتى ولو بعد تركهم العمل.
ويؤكد مرقص في السياق، أنه “لا يمكن التذرّع بأن قانون السريّة المصرفيّة هو حصانة لأعمال السلطة السياسية غير المشروعة، فمن المعلوم بأن الجرائم المالية عابرة للحدود”.
ويشدّد على أن “السريّة المصرفيّة لم تكن عائقاً أمام التزامات لبنان تجاه الخارج، فخارجيًا لم يَعُد هناك عملياً سريّة مصرفيّة بالتعامل مع لبنان، فهذا الأمر يُلاحظ أولاً من النظام الضريبي العالمي الذي انضمّ إليه لبنان، فتوقيع لبنان على معاهدات تفرض تبادل المعلومات الضريبيّة، أدّى إلى رفع السريّة المصرفيّة أمام الإدارات الضريبية الأجنبية، لاسيّما الأميركية والتزامه ببنود قانون “FATCA”، إضافة إلى التبادل الضريبي CRS.
ويخلص إلى القول: على رغم الأهمية التي لعبها قانون سريّة المصارف على مدى سنوات لجهة دعم الثقة بالاقتصاد القومي والقطاع المصرفي وتشجيع الاستثمار، لا تزال السلطة السياسية تستجيب تلقائياً لمطالب خارجية تقضي على ما تبقى من سمات تميّز القطاع المصرفي اللبناني الذي يصارع للبقاء صامداً، فلماذا نخسر ما تبقى للبنان من مزايا؟ وتبعاً لأي كلفة وثمن؟