عرقلة سير المصالح وتعطيل المرافق وشلها

عرقلة سير المصالح وتعطيل المرافق وشلها

يطالعنا منذ اكثر من شهرين وفي نهاية كل اسبوع تقريباً بيان صادر عن الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الادارة العامة، يدعون فيه الموظفين إلى الاعتصام والاستمرار في الاضراب المفتوح، ويدعو جميع روابط القطاع العام وشرائحه للمشاركة.

وكذلك تصدر بيانات عن لجان المساعدين القضائيين بالتوقف عن العمل نهائياً وبلا أي استثناءات، ومن ضمنها التوقف عن ضبط جلسات الموقوفين والطلبات المتعلقة بهم والامور المستعجلة والنيابات العامة.
وكذلك دعوات من رؤساء الوحدات في مديرية المالية العامة ورؤساء الماليات بالنهج والمضمون نفسه، ومن غيرهم ايضاً ممن ينشرون بياناتهم عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لتحقيق هذه الغاية نفسها وهي «الإضراب العام المفتوح».
وانّه تطبيقاً لهذه الدعوات والبيانات المتلاحقة، نفّذ الموظفون العموميون والمساعدون القضائيون في كافة أنحاء الجمهورية اضراباً مفتوحاً شاملاً شلّ بنتيجته المرافق العامة وأقفل الادارات الرسمية والمحاكم وعطّل المواطنين ومنعهم وحرمهم من متابعة أبسط معاملاتهم وإنجازها والمطالبة بحقوقهم، وتسبّب بهدر مصالحهم وخلق إشكالات لا تُحصى ولا تُعدّ مع حرمان الخزينة العامة من تحصيل الاموال العامة والتي تمّ تقديرها بالمليارات.
انّ السؤال المطروح في هذا الإخبار في اختصار هو الآتي:
– هل يحق للموظف العام إعلان الاضراب العام المفتوح الشامل وتعطيل وشلّ المرفق العام؟
– هل يحق للموظف العام الانتساب إلى رابطة موظفين عامين، تمنع وتدعو وتشجع وتعلن الاضراب العام المفتوح في كافة مرافق الدولة؟
للإجابة المختصرة ايضاً عن هذه الاسئلة نوضح بداية، انّ تعريف المرفق العام هو:
كل نشاط تقوم به الدولة او أي شخص من أشخاص القانون العام ويكون القصد او الهدف منه تحقيق الصالح العام او النفع العام.
ولقد أورد الرئيس الدكتور يوسف سعدالله الخوري في كتابه عن الوظيفة العامة:
من أهم وأسمى واجبات الموظف هو ضرورة تأمين سير المرفق العام الوظيفي بانتظام واضطراد والحؤول دون الاضطراب والفوضى فيه عملاً بمبدأ استمرارية المرافق العامة (continuite des services pablies) الذي أنزله الاجتهاد الدستوري منزلة الدستور.
لذا، يُسأل الموظف تأديبياً، إذا انقطع عن عمله. فمن أولى واجبات الموظف هي عدم الانقطاع عن العمل، أي عدم الاضراب. فعليه كموظف عام ان يقوم بأعباء ومهمات وظيفته في صورة دائمة ومستمرة، ويُمنع عليه ان يؤخّر او يعطّل او يشلّ سير المرفق العام الوظيفي تحت طائلة مساءلته عن ذلك.
انّ الدستور اللبناني في مقدمته وفي المواد 7 إلى 15 منه كفل الحرّيات العامة على انواعها منها «حرّية إبداء الرأي قولاً وكتابة وحرية الطباعة… وحرية تأليف الجمعيات» ضمن دائرة القانون المادة 13 منه.
لكنه لم يتضمن لا في مقدمته ولا في أي نص وضعي آخر منه، ما يبيح اضراب الموظفين عن العمل. لا بل اعتبر المشترع اللبناني في المادة 340 من قانون العقوبات انّه:
«يستحق التجريد المدني الموظفون الذين يربطهم بالدولة عقد عام إذا أقدموا متفقين على وقف اعمالهم او اتفقوا على وقفها او على تقديم استقالتهم في احوال يتعرقل معها سير إحدى المصالح العامة».
كما نصت المادة 343 من القانون نفسه:
بأنّه من تذرّع بإحدى الوسائل المذكورة فحمل الآخرين او حاول حملهم على ان يوقفوا عملهم بالاتفاق في ما بينهم او ثبتّهم او حاول ان يثبتّهم في وقف هذا العمل، يُعاقب بالحبس سنة على الأكثر وبالغرامة.
ثم جاء المرسوم الاشتراعي 112 /59 نظام الموظفين الذي أُعيد العمل به والذي اكّد هذا الاتجاه، حيث حظّرت الفقرة الثالثة من المادة 15 منه الموظف: «من ان يُضرب عن العمل او يحرّض غيره على الإضراب»
وهو أجاز للإدارة في البند «د» من الفقرة الاولى من المادة 65 منه:
«اعتبار الموظف الذي يُضرب عن العمل مستقيلاً».
والامر الأهم من كل ذلك في حال صدور مرسوم او قرار يكرّس هذه الاستقالة طبقاً لما جاء في الفقرة 2 من المادة 65 من قانون الموظفين، فإنّه لا يعود جائزاً الرجوع عنه او تعديله بعد صدوره ايضاً، وفق ما جاء في الفقرة 3 من المادة 65 المعطوفة على الفقرة 3 من المادة 64 من نظام الموظفين.
فالموظف المُعتبر مستقيلاً يصبح في وضع شبيه بالموظف المستقيل، وهو بالتالي لا يستفيد من حقوق معاش التقاعد او تعويض الصرف بل تُدفع له الحسومات التعاقدية المقتطعة عن رواتبه، والأخطر في كل ذلك انّه لا يجوز إعادته إلى الخدمة الّا إذا توافرت فيه جميع شروط التعيين باستثناء شرط السن.
وقد أخذت الادارة في سابقات لها بكثير من القرارات التي اعتبرت مثلاً فريقاً من المساعدين القضائيين مستقيلاً، وأحالت الفريق الآخر على المجلس التأديبي، وهي رغم ذلك لم تخرق مبدأ المساواة والعدالة. (قرار مجلس شورى الدولة).
انّ اعتبار الموظف العام الذي أضرب مستقيلاً ليس الحل الوحيد المتاح للادارة التي أجاز لها المشترع اللبناني ان تجعل الموظف الذي يخلّ عن قصد او إهمال بالواجبات الوظيفية التي تفرضها القوانين والأنظمة النافذة ومنها الاضراب عن العمل او التحريض عليه، أن يحال الموظف العام الذي أضرب او حرّض على الإضراب على المجلس التأديبي العام بحسب المادة 54 من قانون المرسوم الاشتراعي.
ففي حال تنكّر الموظف العام للنظام الذي يفرض عليه الاستمرار في خدمة المصلحة العامة تنكّر هذا النظام له، واعتبره اماً مستقيلاً من الوظيفة بسبب الاضراب او أحاله إلى المجلس التأديبي العام، بحسب ما تراه الادارة في حينه.
خلاصة القول:
يمكن الادارة ان تضمّن هذه التعاميم تحذيراً صريحاً من عدم المشاركة في الاضراب العام المفتوح تحت طائلة اعتبار الموظف العام مستقيلاً او إحالته إلى المجلس التأديبي العام منعاً لما قد يحصل جراء شل المرافق العامة في البلاد.
كل ذلك لا يعني اننا غير متعاطفين مع مطالب اهلنا واصدقائنا ورفاقنا من صفوف الادارة العامة والمالية العامة والمساعدين القضائيين، الّا انّ المسألة الأساسية هي في: عدم شرعية الإضراب المفتوح الشامل. لأنه في المقلب الآخر من القضية، فإنّ اهلنا واصدقاءنا ورفاقنا تضرّروا من نتائج وسلبيات هذا الاضراب العام المفتوح الذي شلّ المرافق العامة بكاملها.
لقد تحفّظ جهاراً وزير العمل على الإضراب العام المفتوح، وعرض اقلّه استمرار العمل ليومين في الاسبوع. وإنّ دعوات عدة صدرت من مجلس الوزراء ومن هنا وهناك، تدعو إلى عدم الإقفال التام الكامل الشامل، وانما تسيير شؤون المواطنين بالحدّ الأدنى اقله يومين في الاسبوع. من دون جدوى.
فهل انّ المعادلة المطروحة اليوم ـ من الموظفين ـ أصبحت:
سنتقاضى رواتبنا ولن نحضر إلى مركز عملنا، وسنقوم بشل وتعطيل المرافق العامة في البلاد لأنّ لدينا مطالب.. والدولة على شفير الإفلاس.
اتقوا الله .. وتعالوا نتساعد لكي تمرّ هذه المرحلة الصعبة على بلدنا وأبناء البلد، واعقدوا العزم على تسيير المرفق العام بالحدّ الأدنى.. يومان في الاسبوع، واستمروا في مطالبكم المحقّة تحت سقف القانون، ونحن نقف عندها إلى جانبكم ومعكم لتحقيق ما يمكن تحقيقه.
اما القول ودعوة المواطنين إلى تفهم موقفكم.. وانتم بذلك تهدرون لهم حقوقهم، فإنّه ايضاً عليكم تفهّم مصالحهم وهم اهلكم ومعارفكم..
والعودة بالتالي عن الإضراب العام المفتوح.
قبل الختام،
إن كان الداعون إلى الاضراب العام المفتوح يعتقدون انّ الدولة اللبنانية بحسب الاوضاع الراهنة والتي تخلّفت عن:
– تسديد ديونها الخارجية.
– عدم إعادة الودائع للمودعين بأي طريقة كانت حتى تاريخه بعد انقضاء اكثر من سنتين.
– عدم تحسين رواتب القوى العسكرية والقوى الامنية والمتعاقدين.
– عدم دعم أدوية مرضى السرطان.
– عدم دعم الدواء للأمراض المستعصية.
– عدم دعم الخبز وتوفير القمح من دون إذلال المواطن.
– عدم دعم التعليم الحر وتأمين التعليم المجاني في المرحلة الأساسية.
– عدم دفع مستحقات المدارس نصف المجانية لسنوات.
– عدم دعم المستشفيات وتسديد مستحقاتها لسنوات.
– عدم تسديد البلديات محسومات الصندوق البلدي المستقل.
– عدم دعم المحروقات وتأمينها للوزارات وللمصالح والادارات .
– عدم تسديد الرواتب بالحدّ الأدنى الذي يؤمّن حياة كريمة للموظف العام.
– عدم وعدم وعدم واللائحة تطول.
وانّه بسبب هذا الاضراب العام الشامل ستتمكن الدولة من تأمين مطالب الادارة العامة والمساعدين القضائيين، في حين انّها تخسر يومياً مداخيل بالمليارات نتيجة وبسبب هذا الاضراب، وهذه المداخيل ستؤمّن اقلّه رواتب القطاع العام في حدّها..حسبي انّ هذه الحسابات خاطئة…
خلاصة القول ..
لم يبق لنا كمواطنين صالحين الّا التضامن في ما بيننا لتمرير هذه المرحلة الصعبة على بلادنا، وبالتالي العودة عن الإضراب العام المفتوح.

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الجمهورية