يبدو أن الاضراب المفتوح في القطاع العام بات قاب قوسين من الحل، وإن كان موقتا، في انتظار اقرار الموازنة ليبنى على الشيء مقتضاه. إذ يعقد اليوم اجتماع في السرايا الحكومية برئاسة رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي، وبحضور وزير المال يوسف الخليل، يجري خلاله البحث في مجموعة من الاقتراحات المتصلة بإنهاء إضراب موظفي القطاع العام، فيما علمت “النهار” أنه تم التوافق على اعطاء الموظفين راتب شهر اضافي لكل موظف و150 ألف ليرة بدل النقل، على أن يكون الحضور يومين على الاقل في الاسبوع. لكن هذه التسريبات لم ترضِ بعض موظفي القطاع العام، بدليل أن مصادرهم اكدت أن “كل تصور للمعالجة يدور خارج فلك مطالب رابطة موظفي الادارة العامة باحتساب الراتب على أساس سعر 8 آلاف ليرة، لا يعوّل عليه”. وسبق للرابطة ان اتهمت وزير العمل مصطفى بيرم الذي كان وسيطا بين الطرفين بأنه رضي بسلة حلول تجحفهم بما أثار غضب الوزير فتنحّى عن الوساطة.
ومنذ تنحّيه عن دوره كوسيط بين الموظفين والحكومة، يتحفظ الوزير بيرم عن قرار الإضراب المفتوح في هذا التوقيت تحديدا “لما له من تداعيات على الحركة الاقتصادية في البلاد، فلا يحق للموظف ضرب مصالح الناس فيما البلاد ذاهبة الى إهتراء كبير جدا”.
وسبق لبيرم أن تطوع لتقريب وجهات النظر بين المعنيين والرابطة التي كانت تطالب بمعاملة الموظفين إسوة بالقضاة، اي احتساب رواتبهم على سعر 8 آلاف ليرة، لكن الحكومة لم توافق على الطرح أقله في الوقت الحاضر نظرا الى المفاعيل التضخمية لهذا المطلب. ويقول بيرم: “عندما نقلتُ وجهة نظر الحكومة، انقلبت الرابطة ضدي، وبدأوا بالتجريح بشخصي على مواقع التواصل الاجتماعي للرابطة. أمام هذا الواقع وبعد اصرارهم على المضي بالاضراب وعدم التجاوب سحبت تطوّعي من هذه القضية. فالملف ليس من مسؤولية وزير العمل وحده بل من مسؤولية الحكومة مجتمعة”.
وفي ظل عدم وحدة الموقف في الرابطة، وهو امر اعتبره بيرم “خطيرا جدا”، عادت المطالبات لتسلم وزير العمل زمام الامور، بيد ان الاخير اكد أنه “لم يلمس اي خطوة جدية ورسمية من الرابطة”، معرباً عن أسفه “لعدم قدرة الرابطة على ادارة الملف بطريقة سليمة ومدروسة، فالعمل النقابي له أصوله، وكان في الامكان الضغط عبر الإضراب، ولكن على الاقل كان يجب أن يخصصوا يوم عمل واحدا في الاسبوع لتسيير مصالح الناس والمرافق العامة بغية تأمين ايرادات للدولة، خصوصا اننا في فترة تصريف أعمال، وهو ما كان يجب أن تأخذه الرابطة في الاعتبار”.
وفي الحديث عن اعتماد سعر صرف الـ 8 آلاف ليرة لتحسيب رواتب القضاة، إنتقد بيرم القرار “خصوصا أنه خلق إرباكا بين اعضاء الرابطة”، مؤكدا أنه لا يؤيد هذه الخطوة “التي جاءت بطريقة إرتجالية خارج اطار حل مشكلة القطاع العام عموما”.
وأبدى وزير العمل ليونة حيال امكان اعادة التواصل مع المعنيين لمعالجة الأزمة قائلا: “سأحاول كل ما بوسعي وأراجع المعنيين في هذا الأمر. لن أتوانى عن القيام بواجباتي”، كاشفا أنه تلقّى اتصالات من بعض المديرين العامين بشكل إفرادي تدعوه للتدخل لحل الأزمة، ولكن “نحن بحاجة الى آلية لضمان تنفيذها، فمن يضمن أن يلتزم الجميع حلا قد نتوصل اليه، خصوصا أننا أمام ضياع وانقسام حاد بين الموظفين”. ونصح بيرم الموظفين بعدم الذهاب الى أقصى الحدود بمطالباتهم في ظل حكومة تصريف أعمال، فيما لم تُقر الموازنة بعد، علما أن “توقيت الإضراب في ظل حكومة تصريف أعمال ورقة خاسرة لهم. لذا المطلوب شيء من المرونة والواقعية وليبقَ النضال مستمرا وضاغطا بطريقة ذكية وبمعايير واضحة كي لا نخسر رواتبنا”.
واذ رأى أنه “اذا استمر الاضراب المفتوح، فنحن ذاهبون الى كارثة كبيرة”، أكد ان “ثمة اقتراحات قدمتها اللجنة الوزارية ومنها مساعدة مالية توازي قيمة الراتب الشهري تدخل في أساس الراتب، على أن بكون سقفها الاعلى 6 ملايين ليرة وأدناها 4 ملايين، مع بدل نقل قيمته 95 ألف ليرة عن كل يوم عمل (مرة أو مرتين أسبوعيا) لتسيير عمل المرافق، على ان يكون الحل موقتا في انتظار إقرار الموازنة التي ستؤمّن الايرادات عبر الرسوم والضرائب التي لا تطاول الناس مباشرة وتغذي خزينة الدولة. ولكن هذا الاقتراح جُبه برفض تام من الرابطة”.
عضو الهيئة الإدارية في رابطة موظفي الإدارة العامة حسن وهبي لا ينفي وجود انقسامات بين الموظفين، مشيرا الى أن “لا قدرة للرابطة على التفاوض بشكل جدي بعدما انتهت فترة ولايتها في 14 تموز الجاري”. وقال: “واجهنا انقسامات بين الموظفين، فمنهم من أراد المناورة… ومنهم من أصرّ على استمرار الإضراب، فيما رفض آخرون مبادرة الحكومة بإعطاء راتب اضافي كامل وبدل نقل 95 ألف ليرة يوميا وطالبوا بقبص رواتبهم على أساس سعر صرف 8 آلاف ليرة”.
وإذ أوضح ان “الإضراب الشامل والمفتوح هو آخر خرطوشة نلجأ إليها”، اعتبر أن “اضراب كل الوزارات، وخصوصا وزارة المال، سيكون موجعا هذه المرة، إذ سيكون متعذرا تحضير حوالات رواتب للموظفين في القطاعات كافة”.
وفيما اقترح أن تعطى مساعدة هي عبارة عن مبلغ مقطوع قيمته 300 دولار فريش لكل العاملين في الإدارات وعددهم 15 ألف موظف في كل الوزارات من دون تمييز، تمنى على وزير العمل “إعادة أخذ المبادرة والإمساك بالملف علّنا نصل الى حل ما، خصوصا أنه إبن الإدارة ويتفهم مطالب القطاع العام”.
الحد الادنى يجب ألّا يقل عن 15 مليون ليرة؟
بدأت أزمة رواتب القطاع العام بالتفاقم منذ سنة 2012، وتحديدا مع زيادة الأجور للقضاة بنسبة 200%، إذ كرّت سبحة المطالبات بالزيادة من اساتذة التعليم الجامعي حتى وصلنا الى 2017 حين أقرّت الدولة سلسلة الرتب والرواتب لكل العاملين في القطاع العام. ويؤكد الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين لـ”النهار” أن “هذا التدبير الخاطىء أدى الى زيادة المدفوعات 3 آلاف مليار ليرة بدل أن تكون 1200 مليار ليرة، في حين أن تغطيتها بزيادة الضرائب والرسوم لم تكن كافية ولم تتحسن الإنتاجية لتغطية هذه النفقات التي أثقلت عجز الخزينة، توازيا مع تفاقم الدين العام وعجز الكهرباء، كما أدى هذا التدبير الى فقدان قيمة الرواتب بنسبة 95% وتجاوز التضّخم نسبة 350% وناهزت الأسعار نسبة 1200%، فيما الدولة في تقهقر وعاجزة عن معالجة هذه الأزمة”.
ورأى أن “أي زيادة ستُعطى للقطاع العام، يجب أن تستند إلى خطة إنقاذية”، لافتا الى أن “نسبة العاملين في القطاع العام تستحوذ على 25% من مجمل العاملين في لبنان، أي على ربع السكان، وتاليا ترتفع نفقاتهم لتستنزف نحو 70% من إيرادات الدولة”.
شمس الدين الذي أكد أن الحد الادنى يجب ألا يقل عن 15 مليون ليرة، اعتبر في المقابل أن “هذا المبلغ سيؤدي إلى الإنهيار التام وإفلاس الدولة… لذلك هناك معضلة كبيرة في التوفيق بين الحاجات والإمكانات في القطاع العام”.