غسّان بيضون
*المدير العام السابق للاستثمار في #وزارة الطاقة والمياه
استبق وزير الطاقة نفاذ قانون الشراء العام. وحاول في آخر جلسة لمجلس الوزراء توريط #الحكومة في تكريس نتائج “استدراج نوايا” أجراه “مكتب” الوزير عام ٢٠١٧، وتمرير إعطاء تراخيص إنتاج #الكهرباء من #الطاقة الشمسية، خلافاً للقانون ٤٦٢/٢٠٠٢، الذي يشترط لذلك إجراء مناقصة عمومية، عندما تتجاوز القدرة 25 ميغاواط (م 5 – فقرة ب). وقد بنى الوزير طلبه على القانون 288/2014 الذي أعيد العمل بموجبه بالقانون 129/2019 المنتهي الصلاحية بتاريخ 30/4/2022، أي قبل تاريخ الجلسة حيث لم تكن لهذا المجلس أية صلاحية في موضوع التراخيص، ولم تكن هناك أي جدوى من بحث الموضوع أصلاً.
إن ما أجراه وزير الطاقة بتاريخ ١٢/١/٢٠١٧ كان مجرّد إطلاق دعوة للقطاع الخاص للمشاركة في تقديم إعلان نوايا للاستثمار في بناء محطات للطاقة الشمسية الفوتو فولطية بقدرة كليّة بين ١٢٠ و١٨٠ ميغاوات في كل المحافظات اللبنانية، بمعدل ٣٠ إلى ٤٥ ميغاوات في كل محافظة. وقد بنى وزير الطاقة دعوته هذه بالتزامن مع إطلاق الخطة الوطنية للطاقة المتجددة للأعوام ٢٠١٦-٢٠٢٠، المفترض أن يكون انتهى تنفيذها منذ سنتين، وعلى دفتر شروط مموّل من مساهمة لـ”جمعية تقيم في مبنى الوزارة”، ولم تحصل على براءة ذمّة من ديوان المحاسبة لغاية تاريخه. ولا يجوز أن يكون لها أي دور تنفيذي في إجراءات يفترض أن تجريها الإدارة الرسمية في وزارة الطاقة الخاضعة لرقابة ديوان المحاسبة والمسؤولة تجاهه. هذا فضلاً عن أن وجهة استعمال المساهمات التي أعطيت للجمعية قبل عام ٢٠١٧ لم تخصّص لتمويل تكليف استشاري دولي لدراسة وتحضير دفتر شروط تأهيل الشركات لمرحلة إعطاء تراخيص إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، الأمر الذي يؤدّي إلى بطلان الإجراءات التمهيدية لمنح هذه التراخيص.
يضيف كتاب وزير الطاقة الذي يعرض فيه منح التراخيص لبناء محطات لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، أنه تم تشكيل لجنة قانونية وإدارية ومالية وفنية متخصّصة تضم ممثلاً عن وزارة المالية للقيام بجميع الخطوات اللازمة لدراسة وتقييم العروض والتفاوض مع الشركات وفق آلية واضحة وبحسب دفتر الشروط. وينتهي بطلب عرض الموضوع على مجلس الوزراء مقترحاً اتخاذ القرار المناسب لجهة إعطاء تراخيص لإنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية لـ١١ شركة موزعة على محافظات بعلبك – الهرمل والبقاع وجبل لبنان ولبنان الجنوبي والنبطية ولبنان الشمالي. وقد طلب الوزير بموجب كتابه:
1. تفويضه توقيع عقد شراء الطاقة النهائي والقابل للتمويل والشركات الـ١١ كل على حدة، بعد إدخال التعديلات اللازمة على النموذج الأولي لعقد شراء الطاقة المعتمد عالمياً بحسب متطلبات التمويل الدولية والمعايير العالمية. وإعطاء مهلة سنة كاملة من تاريخ إعطاء التراخيص لكل شركة وذلك للتفاوض مع فريق للعمل الفني والقانوني يكلفه وزير الطاقة لإدخال التعديلات المقبولة على عقد الشراء الأولي تمهيداً لإصداره بشكله النهائي والتوقيع عليه وإلا تصبح التراخيص لاغية بعد مرور السنة المشار إليها.
2. إعطاء سنة كاملة من تاريخ التوقيع لتأمين كافة المستندات اللازمة التي يجب استيفاؤها حتى يصبح عقد الشراء نافذاً، لضمان مطابقة ملفات الشركات للمعايير الدولية ذات العلاقة بمشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية.
3. إعطاء الشركات المستكملة الشروط مهلة سنة كاملة من تاريخ نفاذ العقد، لاستكمال كافة الأعمال الإنشائية والتنفيذية وربط المحطات الشمسية على شبكة كهرباء لبنان، واستيفاء شروط التشغيل التجاري، وصولاً إلى مرحلة إنتاج وبيع الطاقة والتشغيل التجاري.
وهناك ملاحظات عديدة أخرى مهمة في هذا الإطار:
1. إن ما أولاه القانون 288/2014 لمجلس الوزراء من صلاحية تعود للهيئة الناظمة في مجال إعطاء التراخيص لا يمكن فصله عن موجبات هذه الهيئة في هذا المجال، التي نص عليها القانون 462/2002، وتوجب إعطاء هذه الفئة من التراخيص لإنتاج الكهرباء على مناقصة عمومية، بحيث لا يجوز اعتماد آليّات خاصّة من خلال لجنة يؤلفها الوزير وتضمّ أعضاءً من خارج الإدارة وجمعية خاصة.
2. إن وزير الطاقة بنى عرضه على إحالة لوزير المالية تاريخ 22/4/2022، دون رقم، ولا تعني موافقته على إجراءات وزير الطاقة؛ وإنما يبدي فيها عدم ممانعته، ما يعني أن عرض الوزير يفتقر إلى شرط أن يكون اقتراح إعطاء التراخيص صادراً عن وزيري المالية والطاقة معاً. والأرجح أن يكون وزير المالية الحالي استدرك أيضاً، وانسحب من الإحالة التي أبدى فيها عدم ممانعته.
3. إن الوقت الذي يمكن أن يستغرقه تنفيذ التراخيص هو على الأقل السنوات الثلاث المذكورة واللازمة للتفاوض مع فريق للعمل الفني والقانوني يكلفه “وزير الطاقة” لإدخال “التعديلات المقبولة” على عقد الشراء الأولي تمهيداً لإصداره بشكله النهائي. ولتأمين كافة المستندات اللازمة التي يجب استيفاؤها حتى يصبح عقد الشراء نافذاً، لضمان مطابقة ملفات الشركات للمعايير الدولية ذات العلاقة بمشاريع إنتاج الكهرباء من الطاقة الشمسية، ولاستكمال كافة الأعمال الإنشائية والتنفيذية وربط المحطات الشمسية على شبكة كهرباء لبنان، واستيفاء شروط التشغيل التجاري، وصولاً إلى مرحلة إنتاج وبيع الطاقة والتشغيل التجاري.
وفي إطار ملاحظاتنا على ما انطوى عليه كتاب الوزير من نوايا، نضيف:
الإصرار على الاستئثار بالسلطة في كل ما يتعلق بشؤون الطاقة ومشاريعها، بحيث يحاول الحصول على موافقة مجلس الوزراء على تفويضه بالتفاوض على تعديل عقد الشراء لاحقاً دون العودة إلى مجلس الوزراء، الذي يذكرنا بنتائج تجربة التفاوض في مشروع البواخر وما آلت إليه من شبهات وفضائح لم تنته فصولها بعد، وتجربة الوزير أبي خليل الذي حصل على تفويض من مجلس الوزراء للتفاوض مع متعهّد دير عمار، بناءً على عرضه تحويل المشروع من EPC إلى BOT، وتم تعديل القرار بحيث شُطبت عبارة العودة إلى مجلس الوزراء، وخرج الوزير ولم يعد واستمرّت أزمة دير عمار مع دعوى التحكيم وبقيت أرض المعمل محتجزة تحت يد المتعهّد. وبالرغم من ذلك تقدّم الوزير الحالي بمشروع عقد بالتراضي مع شركة كهرباء فرنسا لإعداد دفاتر الشروط وملفات التلزيم لإنشاء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية في دير عمار والزهراني بالرغم من وجود دفتر الشروط الذي أجريت على أساسه مناقصة دير عمار وكذلك بالنسبة للزهراني في إطار خطة 2019 المحدّثة.
إن مجمل الطاقة المتوخى إنتاجها من هذه التراخيص الجاري التحضير لها يقع بين 120 و180 ميغاواط تشكل نسبة ضئيلة من حاجة لبنان.
إن الأسعار الواردة في عرض الوزير والتي تعود لعام 2017، قد تجاوزتها الظروف، كما تجاوزت “خطة الكهرباء” المشؤومة من أساسها. والأرجح أن لا تلتزم الشركات المعنية بهذه الأسعار اليوم. هذا مع العلم بأن هناك إمكانية للحصول على أفضل منها، إذا ما بُنيت المناقصات أو استدراج العروض على توفير أراضٍ لبناء المعامل تملكها الدولة.
إن وزير الطاقة حاول في عرضه المتأخر استباق نفاذ قانون الشراء العام في تموز المقبل الذي يوجب على الجهات الشارية، أي الوزارة في هذه الحالة، تحت إشراف ورقابة وتنظيم هيئة الشراء العام ووفقاً للأحكام والشروط المنصوص عليها في قانون الشراء العام و منها الإعلان عن المناقصة على المنصّة الإلكترونية المركزية المعتمدة لدى هيئة الشراء العام، والالتزام بالشروط المنصوص عليها في القانون، بما فيه المنافسة والشفافية.
يبدو أن من يوجّه معاليه يصرّ على عدم تعيين الهيئة الناظمة وعلى ادّعاء عدم ممانعته ذلك، قد استدرك صعوبة الاستمرار في خداع مجلس الوزراء وتمرير مشروعه على غفلة منه بسبب نفاذ صلاحية القانون 288/2014، الممدّد بالقانون 129/2019، فتقدّم من مجلس الوزراء بكتاب مؤرّخ في 9/5/2022، أرفقه باقتراح قانون لإعادة العمل بالقانون 288، المذكور، لمدّة سنة.
فضلاً عن محاولة إحياء وتمرير “حفظ الحق” بنتائج استدراج النوايا، الذي أجراه الوزير سيزار أبي خليل عام 2017، بشكل مخالف للقوانين، ويذكرنا بتجربة تلزيم إنتاج الطاقة من الرياح التي أجراها الوزير سيزار أبي خليل نفسه ودخل عالم المجهول من دون أن يرى النور، فإن “جماعة الطاقة”، وبقايا المستشارين المستمرين في العمل دون اتّضاح مصدر تمويلهم، يعملون على إغراق مجلس الوزراء بسيل من الاقتراحات والمشاريع المشبوهة، في محاولة لإبقاء “خطة الكهرباء” المشؤومة حيّة، عملاً بفكر “أميرهم” الذي أقنعهم بأن ليس في مجلس الوزراء من يقرأ أو يسمع ويناقش، وأن بإمكانك أن تطرح ما تريد وتحصل على الموافقة.
باختصار، إنها محاولات تسلل في الوقت الضائع لإحياء خطط فشلت وموافقات فات زمانها، و”استدراج نوايا” غير قانوني لبناء محطات للطاقة الشمسية، بعد ٥ سنوات من إجرائه في مكتب الوزير!