يومًا بعد يوم تتفاقم إشكاليات الإيجارات في ظل ظروف أكثر من استثنائية فرضت نفسها على الساحة اللبنانية مع تنصّل الدولة من القيام بواجباتها تجاه مواطنيها في مختلف المجالات المعيشية والاقتصادية والاجتماعيّة. المالكون يرفعون الصوت من جهة، والمستأجرون من الجهة الأخرى، في ظلّ انهيار مالي يصيب شتّى القطاعات ويصيب المواطنين بحالة من اليأس والذهول. وفيما كانت الأصوات ترتفع لتصحيح الخلل في الإيجارات القديمة في السنوات الماضية، جاءت الظروف الحالية لتضيف إليها أصواتًا أخرى تطالب بتصحيح الخلل في الإيجارات الجديدة أيضًا مع انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار. والمالكون كما المستأجرون غارقون في أتون الأزمات التي تترافق مع تخبّط قضائي واضح لم ينجح في التعامل مع الأزمات التي تراكمت عليه منذ عام 2019.
في الإيجارات القديمة الإشكاليات هي نفسها، ولا سيّما عن بدء سنوات التمديد بين 2014 و2017، ومعها بدء الزيادات الطارئة على بدلات الإيجار، تضاف إليها إشكالية انكفاء القضاة رؤساء اللجان عن القيام بدورهم، إلى جانب مسألة إنشاء الحساب أو الصندوق. هذه الإشكاليات وغيرها والتي تشكّل ساحة تراشق بين المالكين والمستأجرين، كانت مدار بحث في نقابة المحامين أطلق خلالها القاضي المنفرد الناظر بدعاوى الإيجارات علاء بشير مواقف وآراء واضحة، أولها أنّ “القانون الصادر في العام 2014 هو قانون قائم ومستقلّ بحدّ ذاته، باعتبار أنّ القانون الصادر في العام 2017 لا يطبّق بمفعول رجعي تبعًا لوضوح النصّ. وهذا الأمر في غاية الأهميّة لأنّه سوف يرتّب نتائج حول بدء احتساب الزيادات القانونيّة وبدء السنوات التمديديّة وبالنسبة لخضوع الدعاوى المُقامة قبل العام 2017 والتي تُطبّق عليها القوانين التي أقيمت في ظلّها”. وأكّد بشير أنّ احتساب الزيادات القانونيّة وبدء السنوات التمديديّة يبدأ من تاريخ نفاذ القانون الصادر في العام 2014 أي اعتبارًا من 28/12/2014 باعتبار أنّ هذا القانون هو قانون قائم ومستقلّ بذاته، وأنّ القانون الصادر في 28/12/2017 يُطبّق منذ تاريخ نشره في الجريدة الرسميّة وبالتالي لم يُلغ القانون الذي سبقه.
أمّا بالنسبة إلى الإشكاليّة التي نتجت عن عدم بدء اللجان المختصّة النظر بتطبيق الزيادات وعدم وضعها صندوق المساعدات الخاص بالمستأجرين حيّز التنفيذ، فأشار بشير إلى أنّ اختصاص هذه اللجان يتمحور حول البت بطلبات الاستفادة من الصندوق والفصل بالنزاع الناشئ عن اختلاف تقارير الخبراء. وقال إنّ محاكم الإيجارات لا يمكنها الحلول مكان هذه اللجان وانتزاع اختصاصها في ما خص البت باختلاف تقارير الخبراء وتحديد بدل المثل تبعاً لهذا الاختلاف. أمّا بالنسبة الى دعاوى الاسترداد سواء للهدم أو للضرورة العائليّة، فلفت إلى إمكان البتّ بهذا النوع من الدعاوى من خلال الإجراءات التي تقوم بها المحاكم عبر تعيين خبير للتحقّق من توافر شروط الهدم أو الضرورة العائليّة ولأجل تحديد القيمة البيعيّة للمأجور، ومن ثمّ وبعمليّة حسابيّة بسيطة يمكن للقاضي احتساب التعويض.
من جهتها، اعتبرت نقابة المالكين أنّ المالكين القدامى لا يريدون لجانًا ولا صناديق وبرامج، بل يريدون تحريرًا فوريًا لأملاكهم المحتلة منذ 40 سنة، بحسب تعبير النقابة. وأضافت: “نريد رحمة من ضمائركم! الدولار تخطى عتبة العشرين ألف ليرة وبلغ حد الثلاثين وإيجار منزل أو محل في لبنان بالمجان منذ أربعين سنة، واليوم بلغ 300 ألف ليرة في الشهر، وتتحدّثون عن دولة وعن دستور وعن قوانين وخدمة الإيجار. أي إنسان يتجرأ على التأجير اليوم في لبنان في ظل مهزلة وجريمة الإيجار القديم؟! وفي ظل قضاء وإدارات رسمية عاجزة! خدمة الإيجار كانت وستبقى في خطر طالما أنّكم ترتكبون هذه الجريمة في حق المالكين، وطالما أنّكم تجتمعون وتجتمعون من دون جدوى. المريض/المالك يموت وأنتم تبحثون في صندوق وحساب ولجان لا تعمل! بئس هذا العمل وهذه المسرحية السخيفة. حرّروا الأملاك فورًا!”. وسألت مجلس القضاء الأعلى: “هل أصبح القضاة في جزيرة مستقلة عن مجلس قضائهم؟ لماذا لا يطبّقون قانونًا نافذًا أوجب عليهم مسؤوليات في اللجان؟ أين التفتيش القضائي؟ أين المؤسسات؟ هل انهارت البلاد كليًا؟ هل سقطت المؤسسات؟ هل حصل الانهيار منذ سنوات؟”.
أما رئيس “تجمع الحقوقيين للطعن وتعديل قانون الايجارات” المحامي اديب زخور فطالب مع لجان المستأجرين في المناطق، “الحكومة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي بأن يشمل التدقيق الجنائي قانون الايجارات، كونه بابًا للهدر والفساد، إذ نص القانون على انشاء صندوق لحماية المستأجرين ودفع التعويضات لهم عند صدور القانون، بالتزامن مع اللجان منذ بدء نشر القانون في 2014 أو 2017 المختلف عليها ولم يتم انشاؤه ولا تمويله”. وتابع: “لقد نصّ القانون في الوقت عينه على تناقص التعويض فقط للمستأجرين منذ صدور القانون، بحيث ان كل يوم تأخير ينتج عنه تناقص التعويضات تعطى بطريقة غير قانونية لمالكي العقارات والشركات العقارية والمصارف المالكة، ومنها لبعض السياسيين، وقد أصبح القانون بما فيه تسهيل القروض للمستأجرين وشراء منازلهم بالأفضلية وغيرها من التقديمات، غير قابلة للتطبيق لتأخر التنفيذ سنوات طويلة ونتيجة الهدر والفساد.”