في بلد قائم على الإستهلاك بشكل هائل، لا بد له أن يرتكز إلى الإستيراد، خصوصاً في ظل سنوات طويلة من الإقتصاد الريعي أللامنتج. ففي الشهور الثمانية الأولى من العام المنصرم وحده، بلغ العجز في الميزان التجاري ٤٬٣٣٦٬٠٠٠ دولار أميركي، وهو أمر ليس بجديد خصوصاً وأن نسبة التصدير أساساً منخفضة لشبه إنعدام الإنتاج.
بطبيعة الحال يتم الاستيراد بالعملات الأجنبية وتحديداً الدولار كما هو متعارف عليه عالمياً، مؤخراً ومع الأزمة النقدية والمصرفية، ما زال الدولار الجمركي، أي النسبة التي يتم دفعها للجمارك اللبنانية على البضائع المستوردة بالعملة اللبنانية بما يوازي نسبة الضريبة من العملة الأجنبية وفق قانون الجمارك الصادر سنة ٢٠٠٠الذي ينصّ على تحويل قيمة البضائع المستوردة إلى الليرة اللبنانيّة بحسب معدّل التحويل الذي يحدّده دوريّاً مصرف لبنان، أي أن الدولار الجمركي حتى هذه اللحظة يحسب على سعر 5،1507.
مؤخراً برز الحديث عن رفع قيمة هذا الدولار لتقارب قيمته على منصة صيرفة بالعملة اللبنانية، فما هو السبب وراء هكذا قرار؟ وكيف سيكون وقعه إقتصادياً وإجتماعياً ونقدياً على البلاد والمواطنين؟
الخبير الاقتصادي باتريك مارديني أكد ل «الديار»أنه وبهدف الحديث عن الدولار الجمركي يتوجب أن يتم فهم أسعار الصرف المتعددة في لبنان بين ١٥٠٠ و٣٩٠٠ و١٨٠٠٠ و٢٢٠٠٠، وبالتالي يختلف الحديث بإختلاف إعتماد أي سعر صرف للدولار الجمركي الجديد،ورأى أن البلاد تنتقل تدريجياً إلى نظام صرف معوم، وبالتالي سعر ١٥٠٠ ذاهب نحو الإختفاء كلياً، والنظام يحاول التخلص منه بشكل تدريجي، مع الافساح في المجال خلال العامين المنصرمين لأن يقوم المواطنين بسداد قروضهم على سعر ١٥٠٠، لتبدأ بعد ذلك مرحلة محو هذا الرقم من السوق بشكل كلي ، وهو الأمر الذي بدأ مع الدولار الجمركي ويتجه إلى كل ما تبقى مما تقبضه وتدفعه الدولة، وبالتالي الضريبة الجمركية جزء من هذه المقبوضات والترجيح المنطقي يقول بأن تقوم الدولة بتعويم السعر إلى ما يوازي سعرالصرف علىمنصة صيرفة، ويتوجب أن يصبح من بعدها حسابات الموازنة العامة ومن ضمنها المصاريف، ان تحسب على نفس السعر.
مارديني لا يؤكد على حتمية أن تضمن هذه الخطوة إدخال ايرادات ضريبية جديدة، خصوصاً وأنه مع إرتفاع الجباية، يتقلص الصحن الضريبي، وبمعنى آخر أن الناس تتوقف عن الإستيراد وتتهرب من دفع الضريبة الجمركية أكثر، وبالتالي ما قد يحدث هو مفعول عكسي، إذ أنه مع إرتفاع الضريبة الجمركية، فإن عائدات الدولة سوف تنخفض ولن تزيد. وشجع الخبير الاقتصادي وبشدة على ضرورة خفض التعرفات الجمركية مع إرتفاع الدولار الجمركي، وحتى يمكن التوجه نحو الغاءها في ظل وضع إقتصادي سيئ تعاني منه البلاد، وفقر مدقع يصيب معظم المواطنين، بالتزامن مع عدم قدرة الصناعات المحلية على المنافسة في ظل عدم توفر الخدمات والمقومات الأساسية لها لتكون بديل مناسب ومنافس.
واشار الى أن لا دور لمجلس النواب تشريعياً في إتخاذ هكذا قرار كونه متعلق بسعر الصرف حصراً ولا ينضوي على تغيير جذري، ولكن شدد على خطورة الأمر على التجارة العامة في كافة البلاد ، لافتا إلى أن البلاد تتجه نحو المزيد من الإختناق إذا لم يتم خفض أو إلغاء التعرفة الجمركية بالتوازي مع رفع الدولار الجمركي، وهو ما سوف يكون له وقع وضرر كبير على البلاد وسوف يقوم بتعميق الأزمة، خصوصاً وأن القطاعات الإنتاجية لن تعود قادرة على إستيراد المواد الأولية، والمواطن سوف يكون المتضرر الأكبر كونه يعتمد على الإستهلاك الخارجي بشكل كبير من المواد الأساسية كالقمح والدواء وغيره.
ختاماً، رأى مارديني أن هذا الأمر سوف يؤدي أيضاً إلى المزيد من التضخم بسبب الزيادة في الأسعار التي سوف تلحق بالمواد المستوردة، بالإضافة إلى ضرب النمو الإقتصادي وإرتفاع معدلات البطالة، كما أن زيادة الضرائب الجمركية سوف تخفف من انخراط لبنان بالتجارة العالمية، وهو الأمر الذي عادة ما يسهّل الحصول على المواد الأقل سعراً ليسهّل الانتاج من خلالها، بالإضافة إلى فتح أسواق عالمية جديدة أمامه، وبالتالي إن تراجع الإستيراد سوف يسبّب أيضاً بتراجع التصدير، وهو الأمر المثبت علمياً،وإذا حصل سوف يقضي على الشركات القليلة المنتجة الباقية في البلد.
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الدّيار
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع ElMarada
اضغط هنا لقراءة المقال على موقع SawtalFarah