خريطة الطريق الوحيدة لتثبيت سعر الصرف

خريطة الطريق الوحيدة لتثبيت سعر الصرف

على مدى 30 عاماً انتهج لبنان سياسة نقدية قائمة على استقرار سعر الصرف وربطه بالدولار الأميركي عند مستويات بقيت مستقرة عند 1507 ليرات للدولار الواحد. سياسة أنعشت اقتصاد فترة ما بعد الحرب الأهلية، وازدهر خلالها حتى العام 2019 الذي انقلب فيه سعر الصرف رأساً على عقب.

إعتبر الخبير الإقتصادي ورئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق باتريك مارديني، أن لا حلّ لتثبيت سعر صرف الدولار إلّا عبر إنشاء مجلس نقد «Currency Board»، أي في موازاة الليرة اللبنانية بالدولار الأميركي في التداول. ففي حال أردنا تثبيته عن طريق الثقة بالمصرف المركزي كمرحلة ما قبل العام 2019، أي عند قيام المصرف المركزي بهندسات مالية في حال حدوث خلل في ميزان المدفوعات أو التحكّم بالفوائد لاستقطاب رؤوس الأموال، فستبوء بالفشل الذريع ولن يتمّ التمكّن من التحكّم به.

إقتصادياً وعملياً، ما من عامل يمنع إنشاء مجلس نقد في لبنان. فاليوم لدينا حوالى 13 مليار دولار بالتداول، ولدينا كتلة نقدية بالليرة، وبالتالي لدينا إحتياطي بالدولار بإمكانه تغطية الكتلة النقدية. فالمشكلة تكمن في الإرادة السياسية والمصالح الخاصّة وليس في كيفية إنشاء مجلس النقد. مع الأسف، ما من إرادة سياسية لإنشاء مجلس نقد في لبنان، لأنّه يضع قواعد صارمة على طريقة إصدار الليرة. أي لا يمكن للحكومة أن تطلب من المصرف المركزي الإستدانة في حال أرادت إنشاء مشروع معيّن أو طباعة المزيد من الليرة اللبنانية، ومجلس النقد يمنع بقانونه تلك الإجراءات. وبالتالي السلطة الحاكمة، مستمرة في استنزاف اموال المودعين، ولا تودّ التوقف، كما أنّها تريد الإبقاء على طباعة الليرة كي تموّل نفقاتها عن طريق التضخم وارتفاع سعر صرف الدولار الذي نعيشه. فببساطة، نيّة إنشاء مجلس نقد غير موجودة لدى السياسيين.

من يقرّر سعر الصرف؟

برأي مارديني، «لو الحكومة اللبنانية قادرة ان تثبت سعر صرف الدولار لكانت أبقت على سعر الـ1500 ليرة». إنّ تثبيت سعر الصرف لا يُصار عبر إرادة حكومية أو وزير أو حتى مجلس وزراء، لأنّ سعر الصرف تحدّده قواعد السوق أي العرض والطلب. ولكن في لبنان هناك طباعة كثيفة للّيرة اللبنانية، فالكتلة النقدية بالليرة زاد حجمها 800 بالمئة. وبالتالي، في كلّ مرّة يتمّ طبع المزيد من الليرة، سيتمّ بيعها لشراء الدولار، فطلب الدولار يرتفع بشكل هائل بسبب طباعة الليرة المفرطة.

وأضاف: «إذا أوقفنا طباعة الليرة من جهة، واستنزاف الدولار من جهة أخرى يمكننا أن نصل الى سعر صرف مستقر».

نظام الصرف العائم

سعر الصرف يستند الى عوامل عدة وأهمها الثقة. ونحن نعيش سعر صرف عائماً. وبرأي كثيرين، أنّ نظام الصرف العائم هو الحل الأنسب للبنان. أمّا برأي د. مارديني، فهذه النظرية لا تُطبَّق في بلد لا استقرار أمنياً فيه كلبنان، فمع كلّ خضّة أمنية سيقفز الدولار قفزة كبيرة، وبالتالي سيصبح الاستثمار فيه صعباً جداً كي لا نقول مستحيلاً. ولهذا السبب يجب إنشاء مجلس نقد يعزل به سعر الصرف عن الخضّات والمشاكل الداخلية، وبالتالي يصبح سعر الصرف نسخة طبق الأصل عن الدولار الأميركي. ففي هذه الحال يعود الإستقرار إلى لبنان ويعيد الإستثمار إليه.

الدولار دون سقف

واعتبر مارديني، أنّ تصحيح الرواتب والأجور وزيادة المخصّصات المرتبطة بالنقل والتعليم، سيؤديان إلى ارتفاع سعر صرف الدولار ليصبح دون سقف، لأنّ الدولة اليوم تعاني من عجز في ميزانيتها، وكانت عبر الزمن تعمد إلى تمويل الفرق عن طريق الإستدانة، واليوم لم تعد قادرة على ذلك، وبالتالي ستلجأ إلى طباعة المزيد من الليرة، وإثرها سيرتفع الدولار من جديد. فهذا ليس سوى خطاب إنتخابي زبائني من الطبقة السياسية.

جرعة الثقة

أما بالنسبة للمفاوضات مع صندوق النقد، فأشار مارديني إلى أنّ هناك خطوات علينا اتباعها، أولها وضع الحكومة لخطة تتضمّن الإصلاحات وشرحها بدقّة وأهمها: الدين العام، وخطة تشرح كيفية القيام بإصلاحات هيكلية أبرزها في قطاع الكهرباء. عندها، يأخذ صندوق النقد هذه الخطّة ويدرسها قبل التوصّل الى اي اتفاق. أمّا العراقيل التي قد يواجهها لبنان مع صندوق النقد فأهمها تغطية خسائر المصارف عن طريق التضخم القائم، وملف الكهرباء الذي يكلّف الدولة مبالغ هائلة. ورأى الخبير الإقتصادي ،أنّ الحديث عن بدء المفاوضات مع صندوق النقد يعطي جرعة من الثقة، ولكن هذه الجرعة ليست كافية أو بالأحرى ليست قادرة على تثبيت سعر صرف الدولار. فجرعة الثقة قادرة أن تخفّض سعر صرف الدولار موقتاً وليس بشكل نهائي.

أخيراً، أيام صعبة للغاية يعيشها لبنان، يئن فيها الشعب تحت وطأة أزمة اقتصادية هي الأسوأ في تاريخه، حيث تتزامن مع انسداد سياسي يزيد الطين بلّة ويفاقم المأساة الإجتماعية والإقتصادية. فمع تعذّر عقد جلسات في مجلس الوزراء ربطاً بآخر المستجدات القضائية، ما مصير المرحلة المالية المقبلة على المواطن المأزوم؟

اضغط هنا لقراءة المقال على موقع الجمهورية