يترنح لبنان وشعبه منذ فترة تقارب السنتين تحت وطأة تغيرات كبرى خضت كيان الوطن والنظم التي قام عليها ، صدمة تلو أخرى تصيب اللبناني في صميم أمله بعودة الوضع الى ما كان عليه قبل وقوع فاجعة الأزمة الإقتصادية، التغيرات طرأت على الصعيد السياسي ، الاقتصادي ، المعيشي، المالي والمصرفي.
من التحولات الكبرى التي زلزلت الساحة اللبنانية هي التحولات التي حصلت في القطاع المصرفي الذي طاولته شظايا الاعتراضات الشعبية ، بمقابل حديث يتبناه الكثيرون من المحللين والسياسيين عن وجود مخطط مدروس وممنهج لتدمير هذا القطاع ، ومع الحديث عن قضايا مهمة تطرح حالياً في الفلك المصرفي ومتغيرات جديدة تلوح في الأفق، ماذا يقول رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني في حديث خاص لموقع “السياسة” عن تلك المواضيع؟
يشير مارديني عن إمكانية رفع سعر صرف المنصة إلى أنه، ” عندما وضع سعر صرف المنصة عند 3950 كان الدولار في السوق 3950 تقريباً أي نفس الرقم، لكن في ما بعد ارتفع الدولار في السوق السودا الى 10000 وبقي سعر الصرف في المنصة 3950 ، وبالتالي أتوقع تعديل لسعر صرف المنصة وارتفاعه، ويضيف أن هذا الموضوع يجب دراسته بتأن كون في حال رفع رقم سعر صرف المنصة الذي على أساسه يسحب المواطن أمواله من المصرف يؤدي ذلك الى زيادة كمية الليرة اللبنانية في السوق وبالتالي هذه الكمية قد تؤدي الى تضخم أكبر لأن هذه الأموال التي يسحبها المودعون من المصارف اجمالاً تكون عبر خلق ليرة جديدة أي عبر طبع عملة الليرة اللبنانية. وبما أنه هنك عملية طبع لأموال جديدة كلما أرتفع سعر صرف المنصة أكثر تزداد خطورة حصول تضخم أكثر، يجب عند تعديل رقم سعر المنصة في حال حصول ذلك أن يترافق مع تخفيض لسقف السحوبات وأعتقد أن هذا ما سيحصل للمحافظة على نفس كمية الليرة اللبنانية التي تسحب وذلك تجنباً لزيادة التضخم ، كون في حال حصل انفلاش كبير لليرة اللبنانية في السوق فسيؤدي ذلك الى ارتفاع في سعر الدولار والسبب الأساسي لإرتفاع الدولار هو ضخ ليرة إضافية في السوق.”
وماذا عن دمج االمصارف؟
وعن امكانية حصول دمج للمصارف يلفت مارديني إلى أن ” التعميم الصادر عن مصرف لبنان رقم 154 هدفه البدء بإعادة هيكلة المصارف. وقد وضع هذا التعميم معطيات شفافة يطلب فيها من المصارف زيادة رأس مالها في لبنان 20% وتحصل بالدولار القديم أو عبر عقارات وليس بالفرش دولار وكما يطلب هذا التعميم من المصارف زيادة ودائعها عند المصارف المراسلة 3% بالفرش دولار ، أول زيادة أي ال20% تقارب ال3 مليار دولار لكن تحصل في الدولار القديم وفي داخل لبنان، الجزء الثاني أي الزيادة عند المصارف المراسلة تقارب 3 الى 4 مليار دولار أيضاً وهذه الزيادة تحصل بالفرش دولار ، هذا التعميم يحمل بعض الصعوبة
كونه يطلب من المصارف زيادة رأس المال وتأمين فرش دولار ، فالمصارف التي ستكون قادرة على القيام بهذا الأمر ستبقى في السوق وتستمر بشكل طبيعي، لكن المصارف التي ستعجز عن زيادة رأس مالها أو تأمين فرش دولار للمصارف المراسلة؛ فإنها مبدئياً يجب أن تصفى أو أن تدمج أو أن تباع ، وبالتالي هذه الخطوة أي التعميم هي مقدمة لإعادة هيكلة المصارف.
ماذا عن المودعين؟
اما عن تأثير اعادة هيكلة المصارف على المودعين يقول مارديني، ” المصارف التي ستبقى في السوق ستبقى مقيدو بالقيود الموضوعة عليها حالياً لحين إيجاد حل شامل للأزمة في لبنان، الحكومة ستفاوض على اعادة هيكلة الدين العام مع المقرضين وعلى أساسه ندرك كمية الأموال التي ستعيدها للمصارف وعلى أساسه ندرك خطة الحكومة وماذا سيحصل في الدولار القديم. وبالتالي الدولار القديم مرتبط بالحكومة وهذا الشيء سيظل مقيدا ، ولكن في حال حصول إعادة هيكلة ، تصبح هناك المصارف التي ستسمر في السوق في المستقبل القدرة على التصرف بالدولار الجديد كيفما تريد. أي في حال حصولها على” فرش دولار” لها أن تأخذ ودائع بالفرش دولار أن تعطي قروض بالفرش دولار .
كما يمكن للمصارف التي ستبقى في السوق أن تستحوذ على مصارف أخرى غير قادرة على الإستمرار في السوق وتريد تصفية نفسها كون لديها مودعين وهي غير قادرة على اعادة ودائعهم اليوم. اذا بالنسبة للودائع مصرف لبنان سيرى كيفية رد الودائع للمودعين ولا ندرك بعد اذا كان هناك أشخاص سيخسرون أموالهم كونهم وضعوا أموالهم في مصارف لبنانية على شفير التصفية مثلاً لا نعرف هذا الشيء ، انما مصرف لبنان يطمئن بأن المودعين حقوقهم محفوظة لديه وأن أموالهم سيأخذونها من مصرف لبنان بطريقة ما، اذاً بالنسبة للمودعين في المصارف التي ستقوم بتصفية نفسها الحل سيكون لدى المصرف المركزي.”
المصارف وارتفاع الدولار
وعما اذا كان هناك رابط بين زيادة رأس مال المصارف وارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء يلفت مارديني إلى أن ، ” يجب التفرقة بين زيادة رأس المال وزيادة الودائع عند المصارف المراسلة ، زيادة رأس المال تتم بالدولار المحلي وليس بالفرش دولار ، اذاً زيادة رأس المال التي حصلت من المصارف حصلت بالدولار القديم ، وهناك أصحاب مصارف ومساهمون في المصارف لديهم عقارات ارتفع حقها بالدولار القديم ؛ وهم قاموا بزيادة رأس المال عبر تقييم هذه العقارات التي يملكونها بالدولار القديم. وبهذه الطريقة هناك كثير من المصارف زادت رأس مالها، وبالتالي زيادة رأس المال التي حدثت حدثت بالدولار القديم ولا تؤثر في سعر صرف الدولار في السوق واذا أثرت فهي تؤثر بنسبة قليلة جداً ، ولكن هناك أمر ثان طلبه المصرف المركزي وهو زيادة الودائع عند المصارف المراسلة وهذه الزيادة هي التي تحدث بالفرش دولار . فهناك العديد من المصارف لديها فروع في الخارج باعت هذه الفروع ووضعت الفرش دولار الآتي من عمليات البيع في المصارف المراسلة ، لكن هناك مصارف برأي جمعت الدولار من السوق اللبناني من أجل زيادة ودائعها في المصارف المراسلة. وهذا ما سرُع وتيرة ارتفاع الدولار .
وحول امكانية ارتفاع الدولار في الأيام المقبلة
يقول مارديني: ” أتصور حصول استقرار في سعر صرف الدولار في الندى المنظور ؛ اي في حدود ال10000.
أما في الأشهر المقبلة فبالتأكيد اتوقع ارتفاعا في سعر صرف الدولار بسبب بقاء الأزمة نفسها؛ المتمثلة بطبع المزيد من الليرة اللبنانية لتغطية عجز الموازنة العامة؛ الأمر الذي سيؤدي الى ارتفاع سعر صرف الدولار .
بالإضافة إلى عدم ثقة بالليرة اللبنانية ما يؤدي بالمواطنين عند حصولهم على الليرة اللبنانية الى الاسراع في بيعها أو شراء الأغراض من أجل التخلص منها إما تحويلها الى الدولار .
وعن الحل الذي ممكن تطبيقه لمعالجة مشكلة إرتفاع سعر صرف الدولار يجيب مارديني أن، ” الحل هو بإنشاء مجلس نقد في لبنان وهذا هو الإصلاح النقدي الذي بحاجة له لبنان ، مجلس النقد هو تعديل لقانون النقد والتسليف يفرض قواعد صارمة على طريقة إصدار الليرة ، لا يعود هناك إمكانية لطبع الليرة كيف ما تشاء ولو أدى ذلك الى ارتفاع سعر صرف الدولار ، مجلس النقد يمنع طبع العملة وحصول تضخم وبالتالي الطريقة الوحيدة لطبع الليرة هو عندما يكون هناك دولار كاف مقابلها ، وفي حال عدم وجود دولار لا يمكن طبع الليرة اللبنانية وبالتالي تكون الليرة مغطاة بشكل كامل بالدولار. القاعدة الثانية في مجلس النقد هي ممنوع المساس بودائع الناس وبالتالي المصرف المركزي لا يعود لديه إمكانية أن يدين الدولة عبر ودائع المودعين هذا الشيء يمنعه مجلس النقد .و
وفي حال عدم انشاء مجلس النقد والإستمرار بسياسة التعويم الحالية فالدولار الى ارتفاع حتمي”.