كما أن وباء الكورونا ليس مزحة، لجهة ضرورة عدم التساهل بتطبيق الاجراءات، التي تمنع إنتشار العدوى أي تطبيق التباعد الاجتماعي بين المواطنين، وأحيانا اللجوء إلى الاقفال التام للبلاد في محاولة لتخفيف عدد المصابين والسماح للطواقم الطبية والمستشفيات بإلتقاط أنفاسها،فإن تداعيات الاقفال المتكرر ليست بالسهلة على معيشة المواطنين ولا على الاقتصاد اللبناني ككل.
وبالرغم من خطورة الوضع الصحي وإرتفاع عدد المتوفين بسبب كورونا، هناك فئة من اللبنانيين “ستموت من الجوع” إذا لم يتم إيجاد توازن بين الضرورات الصحية والاقتصادية في بلد تطلب فيه الحكومة من المواطن إلتزام منزله لأسابيع من دون أن تؤمن له الحد الادنى من مقومات الصمود، أوتزيح عن كاهله أعباء بعض الضرائب مثلا، خصوصا و أن البلاد تغلي فوق آتون أزمة مالية وإقتصادية غير مسبوقة في تاريخها منذ ما قبل إنتشار وباء كوفيد 19 .
في لغة الارقام التي تُظهر الأعباء المعيشية التي تُثقل كاهل المواطن اللبناني من دون أن يكون هناك مردود إنتاجي يعينه على تحملها، دراسة نشرها البنك الدولي الاسبوع الماضي حول تأثير وباء كورونا على تضخّم أسعار الموادّ الغذائية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهذه الدراسة تشير إلى ارتفاع أسعار جميع السلع الغذائية المُدرجة في سلّته في لبنان في الفترة الممتدّة من 14 شباط إلى 16 كانون الأول 2020، وإحتسب البنك الدولي التغيّر في أسعار المواد الغذائية في 19 دولة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عبر خمس فئات رئيسية من المواد الغذائية وهي النشويات، ومنتجات الألبان، والفواكه، واللحوم والخضروات.
وأشار البنك إلى أن سعر لحوم الأبقار الطازجة أو المجمّدة في لبنان ارتفع بنسبة 96,7 بالمئة بين 14 شباط و16 كانون الأول، وهو ما يمثل الزيادة الأعلى في سعر هذا المنتج الغذائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وفي المقارنة، ارتفع سعر لحوم الأبقار الطازجة أو المجمّدة بمعدل 14,3 بالمئة إقليميًا. كما ازداد سعر الموز في لبنان بنسبة 90,2 بالمئة في الفترة المشمولة، وهو ما يمثّل نسبة النمو الأعلى في سعر الموز في المنطقة، ومقارنة بمعدل زيادة 10,1 بالمئة إقليميًا. وكان لبنان، إلى جانب جيبوتي واليمن، ضمن الدول الوحيدة في المنطقة التي سجّلت زيادة تفوق الـ 15بالمئة في سعر الموز (وهو منتج لبناني).
الموت من المرض أو الجوع
كل ما سبق يدفع للبحث عن تداعيات الاقفال المتكرر على القطاعات الانتاجية في لبنان على المدى القصير والمتوسط، وعن الاليات التي يمكن للحكومة القيام بها للتخفيف من وطأتها ولو أن “الدولة اللبنانية مفلسة وبدها قرش من غيمة”، وفي هذا الاطار يشرح الخبير الاقتصادي الدكتور باتريك مارديني لـ”جنوبية” أنه “قبل الاقفال كان لبنان يمر بأزمة إقتصادية كبيرة كانت تتجلى بوادرها بإقفال الشركات لأبوابها وهذا يعني زيادة عدد العاطلين عن العمل كما أن الشركات التي كانت تعاني من تراجع مداخيلها كانت تعمد أيضا إلى تسريح موظفيها”، مشيرا إلى أنه”بعد إنتشار كورونا بات على الجميع الالتزام بقوانين الاقفال، والشركات التي كان لديها القدرة على الإستمرار إنتفت هذه القدرة في ظل هذا الوضع الذي نعيشه وتم القضاء على الامل المتبقي”، و يعتبر أن “ما يحصل اليوم هو عملية تصفية للإقتصاد اللبناني بسبب تزامن الاقفال الناتج عن كورونا مع الازمة الاقتصادية و المالية التي يعانيها لبنان”..
يضيف:”في أوروبا والولايات المتحدة الاميركية، كان الوضع الاقتصادي جيد قبل كورونا، وكان هناك نموا في إقتصادات هذه الدول، وهذا يعني أن مواطنيها كانوا يملكون الاموال ولديهم قدرة أكبر على الصمود أمام الازمات، أما في لبنان فكنا في أزمة إقتصادية قبل إنتشار الكورونا، ومن يملك الاموال حاليا لا يمكنه الوصول إليها بسبب تدابير تفرضها المصارف على السحوبات والتي هي أشبه بعملية hair cut مستترة للودائع”، لافتا إلى أن “هذا الوضع مؤذ للشعب اللبناني لأنه من جهة ممنوع عليه العمل بسبب الوضع الصحي، ومن جهة أخرى لا يمكنه سحب أمواله بالدولار إلا وفقا لسعر المنصة وهناك سقف على سحب الاموال بالليرة اللبنانية وهذا يعني أن هناك تصفية للإقتصاد اللبناني وزيادة في معدلات الفقر في البلد”.
يقترح مارديني عدة خطوات للتعويض على القطاعات الاقتصادية بالرغم من أن “الحكومة اللبنانية لا تملك الأموال للتعويض مباشرة على القطاعات الإقتصادية كما حصل في الولايات المتحدة و أوروبا مثلا، ولكن يمكنها القيام بإعفاءات ضريبية للشركات والمؤسسات وهي طريقة أنسب كي تُعينها على الاستمرار وعدم تسريح موظفيها بعد إنتهاء مرحلة الاقفال العام، لأن دفع المساعدات العينية سيتم على الطريقة اللبنانية وسيصل إلى غير المستحقين كما جرت العادة “، معتبرا أن “هذه الطريقة هي أضعف الايمان بالاضافة إلى تخفيف الضرائب البلدية على المواطنين وإنهاء العرقلات الحاصلة في المعاملات الجمركية والتي تحصل لبضائع ومعدات لها علاقة بمكافحة جائحة كورونا”.
ويرى أنه “يمكن للحكومة أن تقوم بخطوات للمحافظة على اليد العاملة اللبنانية، فالشركات التي تمكنت إلى الان من الصمود هي الشركات التي إستطاعت أن تنقل عملها إلى مرحلة العمل من المنازل on line، وكان يمكن للحكومة اللبنانية أن تعزز هذا الصمود من خلال تقوية شبكة الانترنت وعدم إحتكار الدولة لقطاع الإتصالات والسماح لشركات إضافية لدخول السوق إلى جانب الشركتين الموجودتين حاليا”.
ويختم:”هذا أمر يحفز المنافسة والابتكار لدى هذه الشركات لإيجاد حلول للموظفين الذي يعملون من منازلهم ويزيد الانتاجية، وهذا الامر يحصل في كل البلدان وحل سهل لا يكلف الدولة أموال إضافية”.
إضغط هنا لقراءة المقال على موقع جنوبية