ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ناقش واقع أزمة الدعم وتأثيراتها واقتراحات حلول عملية للخروج منها

ملتقى حوار وعطاء بلا حدود ناقش واقع أزمة الدعم وتأثيراتها واقتراحات حلول عملية للخروج منها

نظّم ملتقى حوار وعطاء بلا حدود لقاءًا تشاورياً افتراضياً حول سياسات الداعمة الحالية والواقع المرير التي يعيشه لبنان نتيجة السياسات الخاطئة التي كانت مُعتمدة في السابق وما هي الحلول الحالية المُمكنة للخروج من النفق المُظلم الذي يعيشه هذا الوطن وشعبه نتيجة ذلك. هذا اللقاء كان تحت عنوان:

*”لقمة عيش الفقير وحبة دوائه تحت التهديد برفع الدعم وحصار الحاكم”*
وقد اداره الكاتب والإعلامي روني الفا وشارك فيه كل من الوزير السابق فادي عبود، رئيس “الإتحاد العمّالي العام” الأستاذ بشارة اسمر، الخبير الإقتصادي باتريك مارديني والخبير المالي والإداري الأستاذ غسان بيضون وعدد كبير من المُهتمين بالوضع الإقتصادي والمعيشي. وقد جري خلاله تقييم سياسة الدعم بما لها وعليها وإمكانية تطويرها بناءً للتجارب الماضية وخصوصية الظروف الراهنة. وكذل ك جرى بحث إمكانية الإستمرار بها وتأمين البدائل لتقليص مخاطر الإنفجار الاجتماعي وإعفاء البلاد من ثورة عارمة وفوضى يُمكن أن لا تُبقي ولا تذر.

*ألفا* :

الكاتب والإعلامي روني الفا إفتتح اللقاء بالترحيب بالحضور وأعتبر أنه معنيّ بالمشاركة فيه كأي مواطن لبناني، لا سيما وأن موضوعه يُهدّد إستقرار كل بيت وعائلة على المُستويين المعيشي والاقتصادي . وعبّر ألفا عن خوفه الحقيقي ممّا يُحكى عن لبنان ويصدُر عن مُنظّمات دولية حتى في بيانات مُشتركة عن أثر إلغاء دعمالأسعار على الطبقة الضعيفة والفقيرة والذي سوف يكون هائلاً. وقد إستُخدمت هذه العبارة بالتحديد ثم عادوا وتابعوا انه وبالرغم من هذا الأثر الهائل ليس في لبنان إجراءات حتى اليوم معمولٌ بها للتخفيف من وطأة رفع الدعم الذي سيحصل وبالتالي بات ضرورياً معرفة انه اذا قفز لبنان نحو المجهول فان هذه القفزة سوف تحرقه إن لم يكن لديه نظام شامل للضمانات الاجتماعية وسوف نكون امام كارثة اجتماعية واقتصادية سوف تُصيب في المرحلة الأولى الأشخاص الأفقر حالاً وسوف تتمدّد لتضرب الطبقة الوسطى وسوف نضحي بمستقبلنا ومستقبل أولادنا وعلى مدى سنوات طويلة. وأضاف انّ البنك الدولي مُخيف بتصريحاته حيث يقول انه خلال عام الواحد والعشرين سوف يكون نصف سكان لبنان تحت خط الفقر وان حاكم مصرف لبنان ادلى مؤخّراً بتصريح قال فيه أننا كمصرف مركزي غير قادرين أن نتحمُل الإستمرار بدعم السلع الرئيسية مثل القمح والادوية والوقود لأكتر من شهرين. نحنا نتحدث عن فترة تتراوح ما بين الكانونين الأول والثاني ما يعني أننا قادمون خلال الأيام القليلة القادمة على أزمة حقيقيّة. وهنا أطرح السؤال هل سوف يقدم المصرف المركزي على خطوة وقف الدعم وبأية طريقة سوف يتم ذلك؟ وكلنا نعرف اننا في أزمة اقتصادية خانقة لن اخوض في تفاصيلها الموردون والصناعيّيون والتجار بدأوا يعانون أكثر وأكثر من تأخير فتح الاعتمادات للسلع المدعومة لدى المصرف المركزي وبالتالي برزت مسألة إستخدام الاحتياطي من النقد الأجنبي المُتوفّر لدى مصرف لبنان ونحن حقيقة لا نعرف ما هي قيمته وهل هناك تأكيدات بأنه لم يتمّ المسّ به، وما هي النتائج المُترتّبة على اقتصاد البلد وإستدامة الحدّ الأدنى من إستقرارنا الاجتماعي في حال تمّ المسّ بالدعم من خلال الرفع او الترشيد. واكمل الفا انا استذكر تصاريح عالية النبرة للدكتور بشارة في هذا المجال ووضوح الأمور بالنسبة له: ” رفع الدعم سوف يُؤدّي إلى كارثة إجتماعية وسوف يكون لها انعكاسات كبيرة على الطبقتين الوسطى والفقيرة. وسأل الأسمر عن طبيعة هذه الانعكاسات التي يتحدّثون عنها وهل بالإمكان وضع جدول إفتراضي بالاسعار الجديدة التي يمكن أن تصدم بعد رفع الدعم، ومنها اسعار البنادول وغيره من أدوية وبالتالي كيف يُمكن لنا أن نتأقلم مع هذا الوضع الجديد، وهل نحن أمام ثورة جديدة ستنفجر في الشارع وهل سنعالج هذه الجروح بالصمت والسكوت والاستكانة؟؟ وأي طبيعة من طبائع الفوضى تنتظرنا في حال تمّ رفع الدعم وما هي البدائل التي سوف تُقدّمها الدولة او لديها النيّة في تقديمها في حال تمّ رفع الدعم؟ واكمل تحدثنا كتيراً عن البطاقة التمويلية والتموينية وما هي العوائق اللوجستية التي يمكن أن تحول دون إعتماد هذه البطاقة وهل هي مُسيّسة وخاضعة للزبائنية السياسية وبالتالي يأتي دائماً الموضوع الاقتصادي معطوف على الأزمة السياسية ومتى تشكيل الحكومة ما هي العوائق التي تحول دون تشكيلها، وما هي شروط الإستقرار الاقتصادي ومحاذير وحسابات اللجوء الى الشارع وهل نحن محكومون اما ان نبقى مُتوجّعين وقابعين في بيوتنا ام ننزل الى الشارع. وانهى الفا كلامه بالقول نحن نسمع على ألسنة خبراء الإقتصاد والمال بشيء اسمه “ترشيد الدعم” ولكن ما نراه في هذا الوقت من تهريب للسِلع إلى الخارج بدلاً من أن تستفيد منها العائلات البائسة والفقيرة ليستفيد منها المُهرّبون والتجار. وهل اذا كافحنا التهريب سنستطيع أن نحلّ جزءاً من المشكلة وهل أن مكافحة التهريب لها آلية تقنية أم سياسية وقد قرأر أن المصرف المركزي ليست لديه القدرة على الإستمرار وسوف يستخدم الاحتياطي وهناك معلومات اخرى غير مُؤكّدة تقول ان البنك المركزي سوف يخُفّض هذا الاحتياطي الالزامي وفي هذه الحالة فهو سوف يستخدم جزء من أموال المودعين ليتمكّن من الإسمترار به. ولذلك فأنا أسأل هنا ما هي نتائج خفض الإحتياطي الالزامي وهل تجيز الحالات الطارئة كالتي نعيشها اليوم ان نستخدم هذا الاحتياطي البالغ 15% ليصبح أقل وهل أن هذا التخفيض في حال حصوله يُطيل عمر الأزمة ونتوصّل بعد ذلك الى حلّها أم أننا نُقصّر الوقت بإنتظار الحلول؟ وهل الحلّ هو بتسييل قسم من الذهب او برفع قيمة الضريبة على القيمة المُضافة؟

*حمود* :

حمود: مُنسّق ملتقى حوار وعطاء بلا حدود إفتتح كلمته بالترحيب بالمحاضرين وبالمشاركين في هذا اللقاء المهم. وقال كلنا نعرف ان اقتصاد البلاد لا يزال اثير ممارسات أركان السلطة المُستمرّ فسادهم منذ التسعينات والذين تعاونوا منذ ذلك التاريخ مع حاكم مصرف لبنان وجمعية المصارف على سرقة ونهب مُقدرات هذا الوطن وثرواته واستعملوا وطبّقوا سياسات إقتصادية ريعية فاشلة قائمة على الإستدانة وفتح اسواقنا لكل انواع السلع وعلى تدمير الإقتصاد الوطني عبر الفوائد العالية على سندات الخزينة بالليرة التي وصلت الى مُعدّلات خيالية لم يشهدها اي بلد في العالم . ولاحقاً عبر لجوئهم الى الإستدانة بالدولار وإصدار سندات اليوروبوندز. ولذلك فإن تنظيم ندوة اليوم مع سلسلة الندوات الأخيرة التي نظّمها الملتقى حول واقع القطاع الصحي في لبنان في ظل الأزمة الإقتصادية الخانقة وحول خارطة طريق إسترجاع الأموال المنهوبة والمُحوّلة
وسُبل وآليات حماية حقوق المودعين في المصارف، كان اكثر من ضروري في هذه الظروف الكارثية. خاصة مع إشتداد حدّة الأزمة المالية وإنحسار القدرة الشرائيّة لغالبية الشعب اللبناني وإنخفاض القيمة الشرائية للّيرة اللبنانية، حيث يُقَدر ان نسبة من هم تحت خط الفقر حالياً هي ٥٥٪. وهي نسبة آخذة في الإزدياد كل يوم. وذلك قبل ان تبدأ عمليات رفع الدعم عن السلع الأساسية والذي يتوقّع الكثير من الخبراء انه سيؤدّي الى تعاظم نسبة التضخّم بشكلٍ سريع والى إنخفاض اكبر في القيمة الشرائية لليرة اللبنانية والى إرتفاع جنوني في اسعار الدولار مقابل الليرة الى معدّلات لا يستطيع احد التكهّن بمستواها الخيالي. مما قد يؤدّي الى عملية سحق للطبقات الفقيرة والضعيفة ويهدد مستقبل الأمن الإجتماعي اللبناني بشكلٍ خطير، قد لا تكون الأحداث الأمنية وزيادات معدلات الإنتحار والهجرة والجريمة واعمال النهب والشغب بعيدة عنه.
ولذلك كان لا بد لنا من تنظيم هذه الحلقة الحوارية لفهم وتحليل الواقع وللتداول في الحلول المُقترحة او المُمكنة مع هذه المجموعة من الخبراء والمعنيين الموجودين في خط الدفاع الأول للتصدّي لهذه المشكلة. خاصة واننا نقرأ ونسمع عدة إشاعات او اخبار تطال إجتماعات مُتكرّرة حول هذا الموضوع واننا سمعنا عن عدّة سيناريوهات مُمكنة منها تصنيف الأدوية ورفع الدعم عن الأدوية الغير اساسية التي تُباع في الصيدليات دون وصفة طبيية، وعن إستمرار الدعم على ادوية الأمراض المزمنة وتشجيع إستعمال “ادوية الجنريك” او تلك المُصنّعة في لبنان. إضافة الى ابقاء الدعم على الطحين ورفعه عن جزء اساسي من المحروقات بنسبة كبيرة او كاملة وهذا ما قد يشكّل لوحده دمار شامل لبعض الطبقات الفقيرة والعمال.
أيضا” كثُر الكلام عن إمكانية إستعمال البطاقة التموينية او عن دفع مبالغ مالية مُباشرة للعوائل الفقيرة. لكن كل تلك الأمور بحاجة الى دراسة دقيقة لواقع العائلات اللبنانية ومن هي حقيقةً العائلات الأكثر فقراً. فنحن أمام تساؤلات كثيرة في هذا الخصوص ومن هي الجهة التي ستقوم بهذه الإحصاءات والتقصّي حول اعداد هذه العائلات : الجيش اللبناني ، وزارة الشؤون الإجتماعية، الضمان الإجتماعي ، البلديات والمخاتير، البنك الدولي ؟ ام اية جهة؟ وما هو المبلغ الذي سيُدفع للفرد او للعائلة؟ وهل سيكون ذلك بعيد عن المُحاصصة والمحسوبيات وتأثير قوى الأمر الواقع وإستنسابيتهم في كل منطقة؟ ومن سيموَل ذلك : مصرف لبنان ام قرض البنك الدولي ام اي مصدر تمويل؟ وكم من الوقت ستأخذ هذه الخطة لأننا نتكلّم عن بطاقة إلكترونية لكل عائلة ويجب وضع الآليات والأمور اللوجيستية لإستعمال هذه البطاقات.
فما هي المعايير ؟ وما الذي سيسير به مجلس الوزراء؟!
وهل يحمل الوضع كل هذا الإنتظار في غياب المسؤولين، المسؤولين القادرين على اخذ هكذا قرارت ونحن نراهم جميعاً في حالة ضياع وشتات وكباش قضائي وسياسي فضائحي ومآساوي قد يقضي على كل شيء.
واكمل حمود اذا” الجميع مُتفقون ان لبنان يمرّ حالياً ومنذ سنة او اكثر في مرحلة سياسية- إقتصادية- مالية- نقدية- إجتماعية ومعيشية لم تشهد لها البلاد مثيلاً منذ نهاية الحرب الأهلية المشؤومة في بداية التسعينات. وهذا نتاج فشل طبقة سياسية اوغلت في الفساد والهدر وسوء الإدارة والتخطيط، واثبتّت عدم اهليّتها لإدارة شؤون هذا الوطن ولأمور مواطنيه واصبحت اليوم بكافة مُكوّناتها تتقاذف “كرة النار” اي الإجرءات الآيلة الى تخفيف كلفة الدعم وترشيدة، والتي هي موضع جلستنا اليوم. بحيث اننا نشهد انّ الجميع يتهرّب من اخذ المُبادرة سَواءً في المجلس النيابي او في مصرف لبنان او في مجلس الوزراء “المستقيل” والكل اصبح يتهرّب من اخذ هكذا قرارات خوفاً من التداعيات الإجتماعية والمعيشية الكارثية التي ستتأتّى عنه خاصّة على الطبقات الفقيرة والمسحوقة التي ارتفع عددها بشكلٍ مهول. وقد ذهب البعض من الخبراء الى رسم صورة سوداوية قاتمة للآتي الأعظم بحيث يشيرون الى انّ لبنان قد يشهد اوضاع مُشابهة للأجواء التي عاشها ايام المجاعة في العام ١٩١٥.
والمُحزن المُبكي في كل ذلك ان اهل السلطة يفكّرون بطريقة “وقحة وحاقدة على هذا الشعب، اذ انً مِحور إهتمامهم اليوم هو كيف نرفع الدعم او نُلغيه “بطريقة تدريجية او ذكية” دون ان نتسبّب بردّات فعل عنيفة اي “كيف سنقود الناس الى جهنم بهدوء دون ان يُقاوموا كثيراً ؟”
وانهى حمود كلمته بالقول اننا في الملتقى كنا قد عقدنا سلسلة لقاءات تشاورية حول كل الملفات التي تهمّ المواطن اللبناني وخلصنا مع مجموعة من الخبراء المُخضرمين الى إقتراح عدة حلول لا مجال لتفصيلها في هذه العجالة وهي تتضمّن طبعاً وكما يعرف الجميع الحل السياسي اوّلاً وضرورة الإسراع الى تشكيل “حكومة مُستقلّة نظيفة” من اهل خبرة موثوقين تكون موضوع ثقة للداخل وللخارج وللمؤسسات وللمنظّمات الدولية وعلى ان تبدأ فوراً في ورشة إصلاحات جذرية وبإتخاذ قرارات إجرائية مناسبة للتصدّي لكل انواع المشاكل التي يعاني منها الشعب اللبناني على كل المستويات خاصة المالية والنقدية والمصرفية والإقتصادية منها وتأخذ طريق الإصلاح ومكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة والمُهرّبة والمحوّلة كهدف اساسي لها. وعلى ان تبدأ بسرعة بورشة إصلاحات جذرية في هيكلية الأدارة وتفعيل دور كل الأجهزة الرقابية والعمل بسرعة على إصلاح القضاء والوصول الى إستقلاليته الكاملة وضمان تحييده عن كل التجاذبات والتدخلات السياسية والحزبية. إضافة الى ضرورة إجراء التدقيق الجنائي في مصرف لبنان وتحديد الأرقام الدقيقة وحجم الثقب الأسود واماكن الفساد واين ذهبت او فقدت الاموال وميزانيات المصارف الدقيقة. لأننا من دون تحديد الأرقام لانقدر على اي حلّ ولن نستطيع القيام بإية إصلاحات ولا الإتيان بأية مساعدة خارجية فهذا شرط اساسي لنحصل على اية مساعدات من المؤسسات الدولية. كذلك يجب إجراء توزيع عادل لكلفة الخسارة بحيث تتحمّل الدولة اولاً الحجم الأهم منها، ثم مصرف لبنان بسبب سوء ادارته وسياساته المالية والنقدية الخاطئة على مدى سنوات، ثم المصارف التي جنت ارباح طائلة من جراء الضرائب العالية التي حصدتها طيلة تلك السنوات. دون ان ننسى مُحاسبة شركات التدقيق والمراقبة التي ساهمت بتغطية كل هذه العمليات بحيث يحب مقاضاتها ومحاكمتها. ويحب ان يكون المودعون آخر من تطالهم الخسائر سوى الكبار منهم ممن وظفوا اموالهم بهذه العمليات وجنوا ارباحاً طائلة على مدى سنوات.
كما يجب إقرار قانون ال haircut بشكل عادل بحيث يطال اصلا” الودائع الكبيرة وليس صغار المودعين.
كذلك يجب إقرار قانون “الكابيتال كونترول” بما يضمن حصول الصناعيين والمزارعين على اموالهم وعلى إمكانية تحويل البعض منها لكي يقوموا بعملية الإنتاج ولكي لا تبقى الأمور مُسيّبة بهذا الشكل وخاضعة للتعسّف والإستنسابية.
ويجب ان يتضمّن الحل ايضاً آليات وسُبل إسترجاع الأموال المنهوبة والمُهرّبة الى الخارج والأخرى التي حُوّلت اثناء فترة إغلاق المصارف او التي حضي بها بعض السياسيين والمحضيين و إيقاف كل اشكال التهريب والتهرّب الضريبي وتفعيل دور الجمارك، ومنع كل أشكال الوكالات الحصرية والإحتكار وهذا ما قد يُخفف الأسعار بشكل كبير. كذلك تفعيل الدور الرقابي لوزارة الإقتصاد لمنع التلاعب بالأسعار والتخزين والإحتكار وكبح حالة التفلّت الحاصلة.
*مارديني* :

الخبير الإقتصادي باتريك مارديني ايّد ما جاء في المداخلات السابقة وقال ان كل ما سبق من كلام هو صحيح ودقيق. واضاف انني سأتناول اولاً موضوع العملة الوطنية، فالدولار يساوي اليوم 8000 ليرة تقريباً بعد أن كان يساوي 1500 ليرة في السابق. وقيمة هذه العملة هي برأيي الشخصي مُرتبطة جداً بكميّة احتياطي الدولار المُتوفّرة لدينا، بمعنى أننا اليوم في بلد نُموّه كارثي ومُتوقّف وسلبي 19 بالمئة السنة الماضية وناقص 6 – 7 بالمئة هذه السنة وسوف يكون سلبياً بالتأكيد السنة القادمة. ومن الخطأ القول أنها عملتي الوطنية ويدعمها الاقتصاد وليس لدى معظم المواطنين حالياً ثقة بالمصارف اللبنانية وليس هناك من يثق بالليرة والكل يعود دائماً ليحوّلها إلى دولار. وأضاف ان الكتلة النقدية بالليرة تتزايد وبالتالي الشيء الوحيد الذي يساعد على بقاء الليرة اللبنانية اليوم على 8000 ليرة مُقابل الدولار هو وجود “الاحتياطي” وأقصد بالاحتياطي : احتياطي الدولار والذهب. هذين العاملين يُبقيان الليرة عند هذا المستوى ويمنعان من قفزها إلى مستويات أعلى. وبالتالي فإنّ الاستغناء عن هذا الاحتياط من خلال ضخه في السوق اي اذا تمّ تخفيض احتياط مصرف لبنان بالدولار وأعطاؤه للمواطنين فإن ذلك يُشكّل دعماً للدولار في السوق ويُساعد على تهدئة سعر الليرة مرحلياً وعلى المدى المنظور، ولكن عند نفاذ هذا الاحتياطي لن نعود قادرين على الاستمرار بالضخّ وسوف نشهد قفزة كبيرة لسعر صرف الدولار. وكلما ضخيّنا أكثر من الاحتياط فإن قفزة الدولار سوف تكون أكبر. وهناك من يعتقد ان الاحتياطي المُتوفّر محفوظ “للأيام الصعبة” . وأننا نخطئ إذا استعملناه ذات يوم للدعم وبرايي فإن الحقيقة هي غير ذلك، لأن الأيام الصعبة هي هذه الأيام، ويجب إستعماله لتهدئة قيمة عملتنا، التي أفقرت الشعب اللبناني فدعونا نفكر بها. وأضاف “طبعا انّ الازمة الاقتصادية والبطالة ساهمت في الوصول الى ما نحن عليه اليوم ولكن اكثر ما افقر الشعب اللبناني هو إنخفاض قيمة صرف الليرة اللبنانية على الدولار بحيث لم يعد معاش اي مواطن يكفيه لتغطية حاجاته المعيشية. وبالتالي فإنّ وجود الاحتياط مُهمّ ولكن اذا استنزفناه أو استعملناه دون وعي ودراية وتخطيط فلا احد يعلم الى أين من الممكن أن نصل. ومن الأمثلة عن الدول التي استنزفت احتياطيّاتها هناك فنزويلا وزيمبابواي حيث كانت قفزة الدولار عالية جداً عندما انتهى الاحتياطي. واتوقّع إنه سوف يكون مرعباً مقارنة باليوم. بعدها انتقل مارديني الى نقطة ثانية وهي علاقة ضخ الدولار في السوق الذي سيجمّد برأيه سعر صرف الليرة على المدى المنظور ولكن ذلك سيؤدي أن تكون قفزة الليرة بالمستقبل أعلى. وكلما انخفض الاحتياطي أكثر كلما كانت القفزة غداً اكبر. لذلك نقول أن هذه اللعبة خطرة جداً ولا يجب أن نُفكّر بالإحتياط على اساس ان لدينا خزنة نصرف ما فيها دون وعي وتقدير للنتائج. وإنما هي اداة لتثبيت سعر الصرف لفترة نتخّذ بعدها تدابير أخرى. وأكمل مارديني إنهم يقولون اليوم: “بدلاً من دعم كل الأدوية ادعم جزءاً منها وبدلاً من دعم كل الطحين أدعم جزءاً منه وأُخفّض بالتالي كمية السلع المدعومة وهذه هي طريقة الحكومة”. وطبعاً هذه الطريقة
ليست الحلّ وهي تُبطئ الإستنزاف ولكنها لا تعالج الأزمة، لأن المصرف المركزي ما زال يدعم ويخسر. واضاف إن اعتماد بطاقة التموين التي طرحها المصرف المركزي، تواجه مشكلتين اساسيّتين هما كيفية تشتغيلها وماذا ستشمل من مواد وسلع فهي ستكون بطاقة يستعملها المواطن ولكنه لا تشتري بها . والمشكلة هي في أن المستفيد منها قد يحتاج اكثر لسلعة دون اخرى وهذه هي حالة معظم المواطنين الذين يحتاجون مثلاً الخبز اكثر من البنزين (هذه حال 80 بالمئة من الفقراء في لبنان). فهذا سيعني أن هذه المنفعة لن تصل للفقير وربما للطبقة المتوسطة. وبالتالي فإنّ اوّل مشكلة في البطاقة التموينية هي اننا نعطي
الناس دعماً لمواد من المُمكن أن لا يكون يحتاجون إليها أو يريدونها، مقابل نقص في مواد هُم بحاجة لها أكثر. واكمل انّ المشكلة الثانية في بطاقة التموين هي في طريقة توزعها وكيف سيتمّ ذلك وعلى اية أسس. ومن المفترض أن يتمّ توزيعها على الفقراء، ولكنه حذّر من إمكانية وصولها المحسوبين على الزعماء والأحزاب، وبالتالي بدل ان تصل للفقير فسوف تصل للمدعومين ممن لديهم ظهر حزبي. وتساءل عما إذا كان لدى الدول التي تستخدم البطاقات التموينية معايير من المُمكن أن نستلهم منها، مُضيفاً انه للأسف أن الدول التي تستخدم البطاقة ليست دولاً متقدمة وانما دول متاخرة اكتر من لبنان، وان الدول المتقدمة تستخدم طرقاً أخرى مختلفة وهي “طريقة العمل على القطعة”، مثلاً من خلال رفع الدعم عن الدواء وبطلب من وزارة الصحة التي تدفع الفرق عن المريض فتأخذ من جهة وتعطي من جهة أخرى بالمقابل. ومن خلال ذلك يصل الدواء الى المرضى الذين يحتاجون له ولا يعود التهريب يفيد لأن سعر الدواء في الصيدليات سيرتفع. وهكذا نكون انتقلنا من دعم السلعة إلى دعم المريض وما يطبق على الدواء ينطبق على اشياء اخرى ومن الممكن ان نمشي بكل سلعة حسب طبيعتها:
مثل البنزين الذي من الممكن ايضاً تحرير سعره ويصبح سعر الصفيحة مثلاً بـ 60 ألف ليرة على ان يُعطى كل مواطن لبناني بحسب رقم سيارته وأوراق سيارته اللبنانية “قسيمة بنزين” او عدد معين من القسائم ولا يكون ذلك استنسابياً، وانما لكل الشعب اللبناني ويذهب هنا الدعم أكثر للمحتاج الذي لديه سيارة لبنانية وعلى ان يتمّ إعطاؤه مثلاً اربع صفائح كل فترة زمنية معيّنة وعلى ان يُترك له حرية إستعمالها كما يريد بحسب حاجته. وهكذا نكون قد خفّفنا الكثير من الهدر وأوقفنا التهريب. اخيراً قال مارديني ان الطريقة الرابعة للدعم طرحها وزير الاقتصاد بالأمس حول مشروع اشتغل عليه مع البنك الدولي وهو مشروع جيد. ولكنني لا اعرف لماذا التهويل الذي استخدمه الوزير بالقول أنه بحاجة لـ 6 شهور ويجب أن نتفق قبل ذلك مع صندوق النقد الدولي ووضع شروط عديدة. وانتهى مارديني حول البطاقات التمويلية بالإشارة إلى أنه في الدول المتقدمة يعطون بطاقات فيها ” اموال كاش” دون تحديد ما يُمكن شراؤه بواسطتها، بحيث يتمّ أول كل شهر تحويل مبلغ مُعين على البطاقة على سبيل المثال 50 أو 100 دولار كاش، تساوي 800 ألف ليرة يستطيع من خلالها المواطن شراء ما يُريد. وهذا ما يسمونه التحويلات المالية وهنا لا تعود الزبائنية والمحسوبيّات تفيد من خلال هكذا تحويلات مالية غير مشروطة، بحيث يملأ كل لبناني طلباً ويحصل على بطاقة يحصل من خلالها شهرياً على مبلغ معين، دون أن يساله أحد عمّا إذا كان غنياً أو فقيراً. وهذه الطريقة تُخفّف كثيراً تكلفة الدعم وتمنع الهدر والتهريب.
وختم مارديني بالقول أن كل هذه الحلول هي حلول ترقيعية والسبب الحقيقي للفقر هو ارتفاع سعر الدولار، والحلّ لا يكون الا بإعادة تخفيض سعر صرف الدولار، الذي بانخفاضه تنخفض الأسعار، وتعود الأمور الى طبيعتها. وأكد أن هناك إجراءات يمكن اعتمادها لتخفيض سعر الدولار، ويجب ان تتخذ بسرعة، وابرزها تشكيل “مجلس النقد” الذي لم يأخذ حقه في الحديث عنه بالإعلام ، وهو نظام يقتضي أن تكون العملة مغطاة 100 % بالدولار أو اليورو أو الذهب. وهكذا عندما تكون الليرة مغطاة لا تعود قيمتها تتعرّض لهكذا إهتزازات بحيث ان كل البلدان التي اعتمدت هذا المجلس استفادت ونجحت، واذا تم تطبيقه في لبنان فسينخفض سعر الدولار من 8000 الى 5000 ليرة تقريباً، وهكذا تنخفض الأعباء على المواطنين وسيؤدّي ذلك إلى إطلاق العجلة الاقتصادية.

*عبود* :

الوزير السابق فادي عبود افتتح كلمته بالقول: إستمعت إلى توصيف المشكلة وفي الواقع هناك اليوم الكثير من الندوات والحوارات على الشاشات التي تتناول نتوصيف المشكلة ولم أسمع ابداً بأي حل. ولم يعد ينقصنا اليوم توصيفها لانها باتت واضحة لدى كل اللبنانيين. وقد إستمعت ايضاً إلى طروحات تخفيض العشرين بالمئة من قيمة فاتورة الأدوية المُستوردة ونحن اقترحنا ايضاً أن يتمّ تخفيض المخزون لتكون لثلاثة أو أربعة أشهر، وعلى أساس الكمية التي نستوردها فهذا يُترجم بحوالي تخفيف الفاتورة الدوائية بقيمة 250 – 300 مليون دولار في حال إستوردنا الأدوية وفق الحاجة إليها فقط وليس لتخزينها. وعلينا أن نقنع المواطن أن لا يُخزّن، ولكي يتوقف عن ذلك علينا ان نقنعه بوجود خطة مُتكاملة.والحل ايضاً هو باللجوء إلى “الأدوية الجُنيسيّة او الجينيريك” الذي لطالما نادينا به. فلبنان هو البلد الوحيد المسموح فيه أخذ الـBranded والعلامات التجارية المدعومة من الدولة اللبنانية ويجب تغيير هذه القاعدة بسرعة ومن يريد أن يأخدها يُمكنه ذلك ولكن من جيبه الخاص. وفي أغنى دول العالم الدولة تدعم الجينيريك فقط. وهذا يستوجب تعاون الاطباء والصيادلة كي نتمكّن من الإنتقال إلى الجينيريك وهذا من الممكن له مع الوقت ان يسمح بتوفير الفاتورة الدوائية بأكثر من خمسين بالمئة. واضاف عبود، صحيح إننا بحاجة لحكومة جديدة، ولكن الوزير الجديد سوف يحتاج إلى ستة أشهر لكي يفهم وزارته وماذا يحصل على ارض الواقع فلبنان تأكله الإدارة المُترهّلة ونحن بحاجة إلى ثورة بالمعنى “الإداري” أي إلى تغيير شامل وكامل في كل الإجراءات الإدارية المُتّبعة في لبنان. وهذا لا يمكن أن يحصل إلا إذا انتقلنا إلى “الشفافية المطلقة” و”البيانات المفتوحة” . وأستغرِب أن جماعة الحراك او الثورة يتحدّثون عن الشفافية على طريقة قانون الحق بالوصول إلى المعلومات ولكن الشفافية المطلوبة هي المطلقة” وتهي عني نشر كل ما له علاقة بالمال العام “مباشرة أو بشكل غير مباشر”. وأكمل عبود انه بموازاة ذلك علينا تغيير كل الإجرات الإدارية المُعتمدة في لبنان وهي المهندسة خصيصاً من الكتبة والفريسيّين لمنفعتهم الشخصية. و استعرض عبود عدة أمثلة مُضيفاً ان حياتنا مُرتكزة اليوم على التصدير والبلدان التي حولنا مثل مصر وتركيا إنهارت عملتها ولكن في مكان آخر تضاعفت صادراتها. وهي على تزايد، وموضوع الصادرات في لبنان لا أُمّ لها ولا أبّ وليس هناك من يتحدث عنها والصادرات اللبنانية ما زالت تخصع لضرائب عالية وما يحصل اليوم في مرفأ بيروت فضيحة بعد الانفجار الذي حصل في آب، وهو أن معظم شركات المِلاحة تحصل على مصاريفها المحليّة بالدولار الأميركي ومعظم الوزراء لا خبرة لديهم بالتصدير ولا بالمعاملات. والصادرات متروكة ويجب أن نخرج سريعاً من “الاقتصاد الريعي”. وعلينا التفكير بالمنتجين الصغار، ولو أن لدينا اللوجستيّات والوسائل اللازمة للتصدير لضاعفنا صادراتنا عشر مرات. واعطى عدّة امثلة على ذلك منها مثلاً قضية تصدير زيت الزيتون بواسطة االجو وهي إما بطيئة جداً بواسطة البريد العادي او مكلفة للغاية في حال إستعمال البريد السريع وهناك عمليّات احتكار كبيرة. وهو احتكار لا يقبض إلا بالدولار والشركة الوطنية لا تقبل ان تقبض اجورها الا بالدولار. ونحن نعزل أنفسنا عن العالم والاسعار مُرتفعة في مجال الاستيراد، وقد ارتفع سعر كل السلع التي كنا نشتريها في السابق متل عبوة الحبر للتصوير كانت بـ 62 دولار واصبحت حالياً بـ 144 دولار. هذا ما عدا عذاب الجمارك إذا وصلت البضاعة عبر ال DHL واذا دفعوا عنك الرسوم والتخليص يرتفع سعر عبوة الحبر التي أوصيت عليها وعلينا تغيير كل ذلك لتخفيف كلفة الإستيراد ايضاً. واعتبر عبود أنه أعطى خريطة كاملة للاصلاح الشامل وهي تحتاج لسنوات وعلينا ان نتأقلم على حلّ المشكلة خلال الشهرين القادمين.

*الأسمر* :

رئيس الإتحاد العمّالي العام الدكتور بشارة الأسمر ركّز على تداعيات رفع الدعم ولماذا يقف الإتحاد العمّالي العام ضده، مُشيراً انه بالفعل لن يكون هناك رفع دعم وهذا الكلام غير صحيح. أولاً إذا أخذنا الطحين، نجد أنه كانت هناك محاولة لتقسيم الطحين إلى أنواع: “الطحين الابيض” لا يُرفع الدعم عنه و”الطحين الباقي” وهو الإكسترا يُمكن أن يُرفع الدعم عنه. وهذا سيُؤدّي إلى كارثة لأنه خبز الفقير اليومي. وأضاف انّ الدعم بمجال القمح هو بحدود ال 120 مليون دولار بالسنة اي بحدود العشرة مليون دولار شهرياً. وقد طرحنا ذلك مع الوزير وهي كلفة زهيدة فلماذا لا نتركها للآخر. وبالفعل كان هناك تفهّم للموضوع وتمّ تبنّي ذلك. وبالنسبة للدواء فإنّ فاتورته كبيرة وتبلغ مليار و 200 مليون دولار. وكان الطرح تقسيم الدواء أيضاً إلى ادوية من يُباع من “دون وصفة طبيّة” (OTC) ونوعية ثانية تُسمّى “الأدوية الحادّة” ويقع ضمنها المُضادّات الحيويّة ومُضادّات الالتهابات وأدوية المعدة وغيرها. أدوية الـ OTC تساوي حوالي 25 بالمئة من الأدوية التي تُباع في الصيدلية وسوف يتضاعف سعرها اربع أو خمس مرّات. والنوعية التانية اي “الأدوية الحادّة” هناك إقتراح يرفع الدعم عنها من 1500 ليرة الى 3900 ليرة وفاتورتها سوف ترتفع 3 مرات تقريباً ايضاً. على ان يبقى الدعم على “ادوية الأمراض المُزمنة” من دون أي تعديل او رفع للأسعار. وتساءل عمّن سيغطي دعم الأدوية المُزمنة؟ مُضيفاً انها ستبقى تحت تغطية مصرف لبنان لكن الأدوية الأخرى التي سترتفع اسعارها فسوف يغطيها الضمان والتعاونية او غيرها من الصناديق الضامنة؟ وهذا سيعني أن الضمان وكل المؤسسات الضامنة الأخرى من يفترض أن تغطي هذه الفروقات وهذا ما سيوقعها في عجز كبير ويُسرّع من إنهيارها. فلا الضمان قادر على تغطيتها ولا التعاونية ولا طبابة الجيش وغيرها من المؤسسات قادرة على تغطية الأدوية وسوف نكون أمام كارثة وأمام انهيار كبير وسريع. واذا لم تتمّ التغطية فالمواطن هو من سيتحمّل فرق الدواء والمستشفيات وهو لا قُدرة له على ذلك في الأوضاع الحالية. اذاً فالمواطن المضمون سيكون في مأزق كبير نتيجة ذلك والمواطنون المضمونون من كل المؤسسات الضامنة يُشكّلون حوالي 60 بالمئة من الشعب اللبناني. فما الذي سيحدث لل 40 % الباقين الذين ليس لديهه أية تغطية صحية؟ لذلك رفعنا الصوت للبحث عن حلول أخرى. وهذه الحلول هي تخفيض فاتورة إستيراد الدواء من الخارج بنسبة 20 % وهذا كان طرحنا، لأن ذلك يُخفّض الفاتورة الدوائية حوالي 250 مليون دولار، بينما عملية الترشيد هذه كلها يمكن أن تصل إلى هذا المبلغ نفسه. وعن المحروقات قال الأسمر، انّ المازوت سوف يبقى مدعوماً من مصرف لبنان، وهناك طرح برفع الدعم عن البنزين بقيمة 60٪؜، ولكن مصرف لبنان سيبقى يُغطّي الكلفة الباقية. اما عن مادّة “الفيول أويل” فقال الأسمر فإننا خلال إجتماعاتنا مع المسؤولين لم نتحدّث عنه غير أنه يُمكن ان يُلغى جزء بسيط من دعمه عن طريق زيادة التقنين من كهرباء لبنان، كي نوفر وهذا سيؤدّي قطعاً إلى تحميل المواطن زيادة على فاتورة المولدات. والمصرف المركزي أيضاً هو من سوف يتكفّل هنا ايضاً في تغطية التكلفة هنا ايضاً وهذا كله يعني أننا أمام “ترشيد بسيط للدعم” مُختلف تماماً عما يحكى عنه انه لا مسّ بالاحتياطي الإلزامي. ولكن هذا الترشيد سوف يؤدي بسرعة إلى انهيار المنظومة الصحية في لبنان وسوف تعود صور المجاعة، التي تحدث عنها الدكتور حمود والتي حصلت خلال الحرب العالمية الأولى والتي أدّت إلى هجرة ثلث سكان لبنان. ونحن نشهد للأسف حالياً هجرة كبيرة وسوف نشهد ايضاً للأسف موتاً أمام المستشفيات وعدم قدرة على الطبابة وعدم قدرة على شراء المواد الأساسية والجزء الباقي من اللبنانيين سيتحول الى فقراء مُعدمين. لذلك لا بد من البحث عن حلول وأهمها وبسرعة تأليف حكومة من خبراء أكفّاء نظيفي الكفّ لديهم مصداقية في الداخل وفي الخارج لكي نباشر عملية الحلّ الحقيقي والمعالجة، وكل بحث خارج هذا الإطار سوف يكون مُجرّد وهم، ونحن حالياً نغرق أكثر وأكثر.

*بيضون*

انطلق الخبير غسان بيضون مذكّرا ً بالكتاب القيّم للنائب الأول لحاكم مصرف لبنان الدكتور غسان العياش الذي يشرح فيه بالتفصيل قضية انهيار الليرة خلال 1992. وقال بيضون بأن القرار الجيد هو الذي يؤخذ في الوقت المناسب وبناءً على إرتقاب مُسبق ومعلومات صحيحة، مُوثوقة، تتوفّر بالتفصيل اللازم وتكون أكيدة. واعتبر أن التوقيت اليوم ليس مناسباً لاتخاذ قرار لا بمعالجة اقتصادية تحتاج لحكومة أصيلة وإلى حد أدنى من الاستقرار حتى يتمّ تحديد حجم المشكلة، ولأخذ الوقت الكافي للتحضير للتدابير المؤقتة التي يمكن أن نحتاج إليها في هذه المرحلة الدقيقة والاستثنائية. ورأي بيضون أن اتخاذ قرار برفع الدعم اليوم أمر خطير جداً جداً بالرغم من أنه ضد فكرة الدعم أساساً، لا سيما وأن للبنان تجارب عديدة في هذا المجال، وقد فشلت دائماً في ضبطها وضمان عدم وصول الدعم إلى غير مستحقيه وبالنتيجة كانت تكلفتها عالية ولم تُحقّق الغاية منها وهناك دائماً الفشل في ضبط التهريب وفي أن تذهب في غير الوجهة الصحيحة. وتابع منبهاً معتبراً أنه لا يجوز الوثوق بأي رقم يصدر ولا بأية معلومة تصدر عن حاكم مصرف لبنان. وما يدعوه للشك أكثر به هو توقيته نهاية السنة لوقف الدعم بالدولار بالسعر الرسمي أو استخدام الاحتياطي، وكيف يتفق ان يبقى هذا الأخير على ذات التوقيت بالرغم من كل ما استجد خلال الفترة الماضية لاستيراد المعدات الطبية ومستلزمات المستشفيات وقطع الغيار وما يلزم كهرباء لبنان لتسديد مُستحقّات عليها للبواخر ومقدمي الخدمات وقطع الغيار بالدولار وإلى ما هنالك، وقد استجدّت امور كثيرة على استعمال السيولة المتوفرة لديه والمتعارف على تسميتها حالياً بالإحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية. فكيف لهذا الاحتياطي الذي لم يكن ليكفي إلا حتى آخر السنة، أن يكفيه لشهر إضافي بالرغم من كل هذه المستجدات التي يفترضه انها أدّت الى مزيد من الاستنزاف؟ . وتابع مؤكداً أننا اليوم غير قادرين على اتخاذ قرار جيد ومفيد ما لم تكن لدينا المعلومات والأرقام والإحصاءات التفصيلية اللازمة والمناسبة لبناء هكذا قرار. وتابع مشككاً أكثر بموضوع الذهب غير المعروف اذا كان موجوداً فعلاً وأين، وما اذا كانت عليه قيود، والذي كان يمكن أن يستخدم من بين الوسائل التي يمكن ان تساهم بالحل. أين هو موجود وكيف استطاع أن يكفيه هذا الاحتياطي؟ وعن موقفه من رفع الدعم والحل، أضاف بيضون أننا بحاجة اليوم لفترة تتراوح بين ثلاثة او اربعة أشهر نفكر خلالها بهدوء ويستمر الوضع على ما كان عليه، وإنما مع رفع الدعم جزئياً وبقدر بسيط ، يُمكن أن يبدأ بالمحروقات لكهرباء لبنان وبسعر البنزين، على أن يُشرح كيف يمكن التعويض للمواطن. وكرر بيضون انّننا نحتاج لهكذا فترة حتى تمر ذروة الأزمة التي نعيشها بسبب حصار خانق هو اليوم في أشده. وقد ساهم بتوقيت تفجيره الحاكم والمصارف في وقت المطلوب فيه زيادة الاحتقان بالبلد. ورفع الدعم في هذه الظروف يُمكن أن يؤدي إلى تفجير البلد بالرغم من اعتقادي بان الدعم هو سياسة فاشلة وإنما توقيت رفعه ليس اليوم. وأضاف أن الدعم يجب أن يكون بالليرة وليس بالدولار هذا اذا لم تكن قد تغيرت او تحسنت بعض الشيء اوضاع البلد بنتيجة التطورات التي يمكن أن تحصل إقليمياً وبتغيير الحكم في اميركا طالما اننا خاضعون لضغوطهم وحصارهم. تساءل بيضون ماذا وبأية طريقة يمكن تحويل الدعم من دولار إلى ليرة؟ وأجاب: “كما يقال أن هناك سلة غذائية او استهلاكية تحتسب على أساسها نسب غلاء المعيشة، فلتكن هناك سلة للسلع التي تحتاج فئة من المواطنين الى دعمها او التعويض لها عن فرق تكلفتها، وسوف تتأثر في حال رفع الدعم مهما كانت درجته. ورأى بيضون أن المواطن المحدود الدخل بماذا وكيف يمكن أن يتأثر إنفاقه في حال رفع الدعم اليوم عن هذه السلع. كم يبلغ مصروفه من المحروقات والسلع الأخرى الأساسية. هذه السلع أضعها في سلة وأدرس كم سوف يكون فرق التكلفة بنتيجة رفع الدعم كلياً أو جزئياً. وفي الواقع بات يتوفر الدينا اليوم الكثير من الإحصاءات المهمة حول العائلات الفقيرة وذوي الدخل المحدود والقدرة الشرائية التي تقل عن المبلغ اللازم لتأمين الحد الأدنى من متطلبات العيش والغداء والدواء ولدينا ما لا يحتاج إلى إحصاءات وهو رواتب العاملين بالحد الأدنى وغيرها من الرواتب المتدنية والمعروفة إن كان من خلال الضمان الاجتماعي للعمال والمستخدمين، أو من خلال الرواتب التي تدفعها وزارة المالية للعاملين في القطاع العام من موظفين ومتقاعدين أو مستمرين في الخدمة. هذه الفئة من المواطنين بإمكان الدولة أن توفر لها الدعم بأكثر من طريقة: أولاً مقابل هذه السلة المُشكلّة على النحو أعلاه، يمكن أن تعطي على اساسها سلفة غلاء معيشة باليرة اللبنانية توازي هذه الفروقات التي سوف يتحملها نتيجة رفع الدعم بشكلٍ مدرس جداً. وكذلك باستطاعة الدولة أن تتخلى عن ضريبة الرواتب والأجور لذوي الدخل المحدود بمعنى عدم كفاية مداخيلهم على تغطية احتياجاتهم المعيشية مع ارتفاع الأسعار بنتيجة ارتفاع سعر الدولار الذي تسبب أصلاً بالدعم. وكذلك بإمكان الدولة أن تتخلى عن رسوم الميكانيك والمعاينة وتوابعها على السيارات القديمة والتي يتجاوز عمرها العشرة او 12 سنة والتي يستخدمها الفقراء. وإذا رفعنا سعر البنزين نستطيع إعطاء السائق العمومي المعروف أنه يعمل فعلاً على سيارة نظامية قسائم بعدد من صفائح البنزين أو المازوت للشاحنات التي تنقل التموين والبضائع التجارية والمصانع أو بفروقات سعر هذه الكمية من المحروقات لكي يمكن أن يستمر بتأمين النقل ضمن التسعيرة الحالية. وهكذا اكمل بيضون أنه يمكن تسهيل الدعم بالليرة والتخفيف من عبئه على الدولار. وتساءل عن الجهة أو المرجع الذي قرر أصلاً السير بسياسة الدعم المُستمرّ منذ نشوء الأزمة وبعد ارتفاع سعر صرف الدولار ؟ هل يعرف أحدكم عن أي جهة صدر القرار؟ قرار من الحاكم استمراراً لسياساته ام مِن مَن؟ وما هي اسرار صحوة الضمير هذه ليبادر الحاكم منفرداً ويتخذ هكذا خطوة وتساءل بيضون عمن سوف يتحمل تكلفة هذا الدعم، الدولة أم مصرف لبنان وعلى أي أساس؟ وأضاف هناك صيغة أخرى يمكن أن نساهم بدعم الفقراء من المودعين أصحاب الأرصدة الضئيلة التي لا تتجاوز حداً معيناً، بحيث يمكن، إذا تم تحفيض الاحتياطي الإلزامي، تحرير جزء من هذا الاحتياطي لدى مصرف لبنان ورده إلى صغار المودعين تدريجياً وبالتقسيط إليهم، كأن نعيد لمن حسابه تحت الخمسين أو مئة ألف دولار وأحرر له خمسة آلاف دولار، على سبيل المثال، بمعدل خمسمئة دولار أقل أو أكثر، على عشرة أشهر أو سنة، هكذا أكون فقد أمنت له إمكانية دخل وقدرة شرائية أفضل . وأعتقد أن سلوك المستهلك سوف يتأثر ويتغير بالتأكيد إيجاباً عندما يحصل المواطن على هكذا سلفة وسيصبح لديه حافز أكبر حتى يُقلّل من استهلاكه غير الضروري أو توجيهه نحو سلع أو منتجات محلية لتحقيق وفر يستخدمه حيثما يختار ويجده أفضل، فنكون بذلك قد ضبطنا الاستهلاك. وأضاف بيضون، بعد ذلك سوف يكون علينا التحضير لرفع تعرفة كهرباء لبنان التي تشكل أكبرعبء على موجودات مصرف لبنان بالدولار، نظراً لارتفاع كلفة وثقل فاتورة الفيول الخاصة بها، على أن يكون ذلك تدريجياً وبحيث يُبنى على تصنيف المشتركين بحسب أنشطتهم ومستويات استهلاكهم من الكهرباء، فنميز بين المؤسسات الدولية والمصرفية والإعلامية والتجارية ومكاتب المهن الحرة والفنادق والمؤسسات والإدارات العامة والبلديات وإلى ما هناك من أنواع أنشطة. فليكن هناك تنويع للتعرفة بحسب قدرة المشترك المستفيد ولا مُبرر لدعم بعض المرافق والمؤسسات الدولية المقيمة والعاملة في لبنان لا مبرر لاستفادتها من كهرباء مدعومة من الخزينة. وهذا يحتاج فقط إلى تصور تضعه إدارة مؤسسة كهرباء لبنان وهذا مُقترحي منذ فترة. وكذلك يجب حث مقدمي الخدمات على التسريع بالجباية وإيجاد صيغة لتحصيل المبالغ التي سوف تتوجب بنتيجة رفع التعرفة. بذلك، إضافة إلى أمور أخرى تتعلق بخفض اعتمادها على الشركات والعقود بالدولار التي لا مجال لذكرها اليوم، فتخفف كهرباء لبنان عن مصرف لبنان ما يتعلق بحصتها من الدعم. وختم بيضون بالقول بعد تأجيل رفع الدعم إلى ثلاثة أو أربعة أشهر، إضافة الى احتمال أن يحق لنا أن نستفيد من تسهيلات بحوالي 800 مليون دولار بنتيجة اتفاقية اشتراك لبنان بصندوق النقد الدولي، وفقاً لبعض العلومات الغير مُؤكّدة يُمكننا تمرير هذه الفترة لعلّ ارتطامنا بالأرض يكون أكثر أمانا وبعدها كما اعتقد سيكون الوضع في لبنان أكثر استقرارا ويمكن أن نكون قادرين على التصرف في ظروف وبشكل افضل.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع Sada4Press