تعثر “التدقيق الجنائي” يمدد عمر أزمة لبنان الاقتصادية 

تعثر “التدقيق الجنائي” يمدد عمر أزمة لبنان الاقتصادية 

يمهد انسحاب شركة “الفاريز آند مارسال” من تولي مهمة تدقيق جنائي في بيانات وملفات مصرف لبنان المركزي، أن يضيف مزيدا من الأعباء على البلد الذي يواجه أزمات اقتصادية ومالية ونقدية غير مسبوقة.

الأسبوع الماضي، أكدت شركة ألفاريز آند مارسال المتخصصة في استشارات إعادة الهيكلة، انسحابها من تدقيق جنائي لمصرف لبنان المركزي، إذ لم تتلق المعلومات اللازمة لإتمام المهمة.

يمثل القرار، الذي سبق وأعلنه وزير المالية بحكومة تصريف الأعمال اللبنانية يوم 20 نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، انتكاسة للبنان، حيث يعد التدقيق أحد مطالب المانحين الأجانب الرئيسية لمساعدة البلد في تجاوز الانهيار المالي.

وفي بيان لها، ذكرت الشركة أنه “نظراً لعدم توافر ما يكفي من المعلومات، لا تستطيع ألفاريز آند مارسال إتمام المراجعة”.

وتشير أرقام المعهد اللبناني لدراسات السوق (خاص) أن خسائر المصرف المركزي بلغت 40 مليار دولار، 20 منها خسرها بين عامي 2018 و2020.

ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الذي كان وصل 53 مليار دولار في 2019، من المتوقع أن ينخفض بشكل غير مسبوق إلى 18 مليار دولار مع نهاية 2020.

أما الدين العام في البلاد، فقد بلغ حتى نهاية أيلول 2020 نحو 95 مليار دولار، بحسب أرقام الدولية للمعلومات (شركة خاصة).

وفي محاولة لمعرفة سبب الانهيار وكشف المسؤولين عنه، وافقت الحكومة اللبنانية في يوليو / تموز الماضي على فتح تدقيق جنائي بحسابات المصرف المركزي، وكلفت للغاية شركة دولية (الفاريز ومارسال).

ويعتمد التدقيق الجنائي المالي عادة على بعض القضايا المالية، بهدف التوصل إلى مستندات أو معلومات لملاحقة مشتبه فيهم بالتلاعب أو الهدر المالي، حيث يتم عرض تلك المستندات أمام المحكمة.

والتدقيق الجنائي المالي، هو مطلب أساسي للجهات الدولية المانحة وصندوق النقد الدولي من أجل مساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي.

ورغم صدور قرار حكومي بتنفيذ التدقيق الجنائي، إلا أن البعض يرى أن قانون السرية المصرفية حال دون السماح للمصرف المركزي تقديم كامل المستندات المطلوبة للشركة، وهذا ما يؤكده نائب رئيس مجلس النواب إيلي فرزلي، في حديثه لوكالة الأناضول.

وقال فرزلي إن “المصرف المركزي سلّم إلى الشركة حساباته الخاصة، إلا أن الحسابات الأخرى أي حسابات الوزارات والمؤسسات العامة والصناديق المالية، فإن هذا يتطلب قرارا برفع السرية المصرفية”.

وأضاف أن على “الحكومة الإعلان عن رفع الحصانة والسرية المصرفية عن كل الوزارات، وإلا فلا يمكن للمصرف المركزي كشف أي حساب”.

ويعتمد لبنان قانون السرية المصرفية منذ عام 1956، الذي يمنع كشف “السرّ المصرفي” لأية جهة كانت، سواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في بعض القضايا.. وقد شكل هذا القانون دافعاً لجذب رؤوس الأموال من دول عربية وأجنبية.

وفي 4 نوفمبر الماضي، أصدر المصرف المركزي بياناً، أوضح فيه أنه “سلم كامل الحسابات (المصرفية) العائدة له إلى وزير المال”.

لكنه أشار إلى أنه “بالنسبة لحسابات الدولة (الوزارات، الإدارات، الصناديق المالية) يمكن للدولة أن تطلب كشف مفصل عن ذلك، وتسليمها إلى الجهات التي ترى أنه من المناسب إطلاعها عليها”.

في المقابل، قالت وزيرة العدل في حكومة تصريف الأعمال ماري كلود نجم، إن “السرية المصرفية لم توضع لتمنع الدولة من معرفة ماذا يحصل في المصرف المركزي”، متسائلة: “كيف يمكننا تنفيذ أي خطة اقتصادية إذا لا نملك الأرقام”.

ولفتت نجم في حديثها للأناضول إلى أن “شركة التدقيق ليست طرفاً ثالثاً بل تعمل مع الدولة اللبنانية، والمعلومات التي تطلبها الشركة (من المصرف المركزي) هي للدولة.. لا نعلم كيف وقعت خسائر مصرف لبنان المركزي”.

واعتبرت أن “التدقيق الجنائي مدخل لاستعادة الثقة، والوضع المالي في البلاد يفرض البدء في التدقيق من المصرف المركزي، لأن الناس لا تستطيع الحصول على أموالها في المصارف بسبب القيود المفروضة على حساباتها”.

ويعاني لبنان، منذ شهور، أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975 ـ 1990) أدت الى تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، وتدهور القيمة الشرائية لمعظم الموظفين، وزيادة معدل البطالة.

الخبير الاقتصادي باتريك مارديني، قال للأناضول إن “أبرز سبب لخسائر المصرف المركزي هي سياسة دعم الليرة اللبنانية، وتثبيت سعر صرفها (1500 ليرة) على مدى السنوات الماضية، وهي سياسة خاطئة”.

ولفت مارديني إلى أن “الدعم كان وما يزال بطلب من الحكومات المتعاقبة حتى اليوم”، ولفت إلى أن “المسؤولين الذي يطالبون بالتدقيق الجنائي، هم أنفسهم مصرون أن يبقى المصرف يتكبد الخسائر من خلال سياسة الدعم”.

ويقوم المصرف المركزي بدعم السلع الأساسية (القمح والمشتقات النفطية والأدوية) التي تستورد من الخارج، من خلال تأمين الدولار للمستوردين بسعر أقل من السوق الموازية، إذ يبلغ لدى الأخيرة نحو 8200 ليرة، مقابل 1515 في السوق الرسمية.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع وكالة الأناضول