بعد اعتذار أديب.. الانهيار النقدي “ليس فوريًا”

بعد اعتذار أديب.. الانهيار النقدي “ليس فوريًا”

ما كاد رئيس الحكومة المكلّف مصطفى أديب يعلن اعتذاره عن تشكيل الحكومة، حتّى شهدت سوق بيع وشراء الدولار في السوق السوداء ارتفاعاً سريعاً، كردّة فعل على قرار أديب.

وبعد أن استقرّ سعر صرف الدولار عند الـ7500 ليرة تقريبًا، خلال الأشهر الأخيرة، قفز اليوم الى ما فوق الـ8 آلاف ليرة، في ظلّ إغلاق العديد من الصرّافين أبوابهم مترقّبين حركة السوق، في إشارة إلى توقّعات بمزيد من الارتفاع في الأيام المقبلة.

وإن كان هذا الارتفاع متوقعاً في ظل انسداد الأفق السياسي في البلاد مع سقوط المبادرة الفرنسية، إلا أن الانعكاسات الاقتصادية لخطوة أديب قد تحتاج الى المزيد من الوقت لكي تتبلور، وتظهر حجم الكارثة التي تنتظر اللبنانيين. فالتعويل سابقاً كان ينطلق من فكرة تقنين صرف ما تبقى من احتياطات بالعملات الصعبة لدى المصرف المركزي، لغاية تشكيل الحكومة وانعقاد مؤتمر اقتصادي دولي برعاية فرنسية لمساعدة لبنان.

من هنا، كان التوجّه لدى المعنيين برفع الدعم عن المواد الأساسية، بشكل جزئي ومدروس، بغية الاستفادة من الاحتياط لأطول فترة ممكنة، مع الحفاظ على سعر الصرف بحدود الـ7500 في السوق السوداء، من خلال دعم 300 سلعة، ووضع المصارف سقوف معيّنة لسحب الودائع بالليرة اللبنانية، ممّا يحدّ من قدرة المواطنين على شراء الدولار للاحتفاظ به، إلا أن اعتذار أديب جاء ليُعيد خلط الأوراق النقدية من جديد.

رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق، باتريك مارديني، أشار في حديث لـ”أحوال ميديا” إلى أن المصرف المركزي يمتلك حالياً حوالي 18 مليار دولار، من ضمنها 17 مليار دولار هي عبارة عن احتياط إلزامي للمصارف، يرفض الحاكم رياض سلامة المساس بها تحت أي عنوان، وبالتالي فإن المبلغ الذي يمكن للمصرف الاستمرار باستخدامه، لا يتجاوز المليار دولار.

وانطلاقًا ممّا ذُكر، رأى مارديني أنه من الطبيعي أن يزداد الضغط على احتياط المصرف مع اعتذار الرئيس المكلف مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة، مرجعًا الأمر إلى سببين: الأول هو أن انعدام الحلول في الأفق يخلق نوعاً من الخوف لدى المواطنين الذين سيزداد طلبهم على الدولار، خوفاً من انخفاض أكبر لقيمة العملة الوطنية، في حين يعود السبب الثاني الى امتناع المواطنين عن بيع دولاراتهم، معتبرًا بالمقابل أن ذلك لا يعني بالضرورة أن يشهد الدولار ارتفاعاً قياسياً، أي بمعنى آخر، فإن التداعيات الاقتصادية لتعذّر تشكيل الحكومة قد لا تظهر فوراً، بل قد تحتاج الى عدّة أشهر.

ووفقاً لمارديني، فإن هذا الأمر يعتمد بالدرجة الأولى على قرار المصرف المركزي بالمحافظة على السياسة الحالية رغم زيادة الضغط عليه وبالتالي يبقى الدولار ضمن هامشه الحالي، وإما اتخاذ قرار بالمحافظة على المليار دولار المتبقي من الاحتياط مع ما يتبعه من ارتفاع لسعر الصرف.

من جهة أخرى، يبقى حلّ آخر أمام المصرف المركزي، وهو استخدام الاحتياط الإلزامي للمصارف المتمثل بـ17 مليار دولار، وهذا ما يراه مارديني بمثابة “سرقة موصوفة لأموال اللبنانيين”.

إذًا، فالمشكلة الأساس تكمن في أن لغة الاقتصاد لا تحتمل عبارات منمّقة أو تصريحات إيجابية يمكن لها حل الأزمة، إنما هي حقائق مادية تؤدي الى نتائج حتمية، وقد تكون النتيجة من اعتذار أديب بأن أي دعم مالي للبنان، سيحتاج الى “شبه معجزة” ما لم يطرأ أي جديد.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع أحوال