اصرار فرنسي على معالجة مشكلة الكهرباء في لبنان وفق خط التوتر العالي

اصرار فرنسي على معالجة مشكلة الكهرباء في لبنان وفق خط التوتر العالي

تقدر أرقام للبنك الدولي بأن نحو مليار شخص يعيشون دون كهرباء، ومئات الملايين يعيشون بإمدادات غير منتظمة أو مكلفة، ولم تخلّص الثورة الرقمية هؤلاء من حياة بدائية بل إنهم مهددون بمواصلة العيش في الظلام مستقبلا إذا لم يقع تزويدهم ب​الطاقة​.

في زاوية جغرافية من بقاع هذا العالم ، مازال ال​لبنان​يون يعيشون في الظلام في العام 2020 ، رغم احراز الكثير منهم انجازات باهرة في مجالات مختلفة من التقدم العلمي الكهربائي ، التحوّل الرقمي ، الطب على انواعه مع ما يواكبه من تشخيص وعلاجات متقدمة وغير ذلك …

والمضحك ان ادراج وزارة الطاقة عامت بالخطط المجملّة والواعدة دون ان تنجح ​مؤسسة كهرباء لبنان​ في اضافة ميغاوات واحدة جديدة على الشبكة طيلة السنوات الأخيرة ، لا بل ان التراجع في ساعات التغذية مستمر بشكل متسارع لم يشهده لبنان حتى خلال سنوات الحرب.

في آب الفائت وبعد انفجار ​مرفأ بيروت​ اعلنت شركة ” ​سيمنز​” ، للطاقة عن عرضها لامكانية توفير وتشغيل اثنين من التوربينات ​الغاز​ية المتنقلة ، طراز SGT-A45 بإجمالي طاقة كهربائية تبلغ 80 ميغاوات ، واللذين من شأنهما المساهمة في تأمين إمدادات الطاقة الكهربائية الطارئة للمدينة. وسيتم توفير الوحدتين الاثنتين للاستخدام عاماً بدون أي مقابل حيث تبلغ قيمة استخدام تلك الوحدتين نحو 40 مليون دولار أميركي في السنة.

وكان اطلع ​رئيس الجمهورية ميشال عون​ من وزير ​الطاقة​ والسفير الالماني ووفد من شركة “سيمنز” على قرار الشركة بمساعدة ​لبنان​ في تحسين قدرة معملي الزهراني ودير عمار وزيادة إنتاج الطاقة من دون أي كلفة على ​الدولة اللبنانية​، وذلك لتأكيد وقوف ​المانيا​ و”سيمنز” إلى جانب لبنان بعد ​كارثة​ الانفجار في المرفأ.

وفي ايلول وزّعت ​السفارة الفرنسية​ خلال اجتماع قصر الصنوبر بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وممثلي الأحزاب السياسية، مسودة للبيان الوزاري للحكومة المقبلة، تحت عنوان مشروع برنامج للحكومة الجديدة. وكانت حصة قطاع الكهرباء لافتة في المشروع حيث جاء فيها:

التدابير المطلوب اتخاذها فوراً (في مهلة شهر):

– تعيين المسؤولين في الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء في إطار القانون 2002/462 من دون تعديلات، مع تزويد هذه الهيئة بالإمكانيات الفعلية لممارسة عملها.

– إطلاق استدراجات عروض في ما يتعلق بمعامل ​توليد الكهرباء​ بواسطة الغاز، التي تُعتبر ذات أولوية لتقليص الاستعانة بالمولّدات.

– التخلي عن مشروع معمل سلعاتا بصيغته الحالية.

التدابير المطلوب اتخاذها في أجل قصير للغاية (في مهلة ثلاثة أشهر).

– الإعلان عن جدول زمني لرفع التعرفة بطريقة تدريجية، على أن يطال ذلك أولاً المستهلكين الأكثر اقتداراً من الناحية المادية.

مشاكل الكهرباء كثيرة ، و​المجتمع الدولي​ شخّص علّة هذا القطاع الذي يعتبر احد اهم اسباب تفاقم الدين العام ومصدرا للهدر والفساد في لبنان .

ولكن من اين يبدأ الاصلاح في الكهرباء ؟ وماذا عن عرض شركة “سيمنز” الذي لا يجب تجاهله ؟

مارديني

يلفت رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور ​باتريك مارديني​الى ان تركيز الحكومات المتعاقبة كان ينصب على زيادة الانتاج وتحديدا على القدرة الانتاجية، رغم ان المعامل القائمة لايتم تشغيلها بكامل طاقتها على الشبكة، وذلك لعدم توافر مادة ​المحروقات​ اللازمة، علما انه مع تشغيل هذه المعامل بكامل مجموعاتها يتم تأمين ما بين 18 و20 ساعة كهرباء في اليوم .

ويقول مارديني ” للاقتصاد ” : اذا قبل التحدث عن زيادة الانتاج فلنجد الحل للمشكلة الاساسية وهي ضرورة تأمين حاجة المعامل القائمة من المحروقات . اذا، اولى الحلول تأمين المحروقات.

ثانيا: هذا التقنين المتزايد الى حد الانقطاع التام سببه ايضا التعرفة المعتمدة في الكهرباء.

ولا ننسى ان كلفة ​انتاج الكهرباء​ هي اكثر من سعر مبيعها . فكل سعر مبيع يدخل في قائمة خسائر الكهرباء . في الماضي ، كانت الدولة تستدين من اموال المودعين لتغطية كلفة حجم الخسائر في القطاع نيابة عن كهرباء لبنان ، اما اليوم، بسبب تعذّر الاستدانة ، يعتمد على برنامج التقنين القاس بعد فصل مجموعات عن الشبكة او حتى تخفيض حمولة البعض منها .

ولو كان صحيحا ان الحكومة المستقيلة هي حكومة تكنوقراط واختصاصيين، لا تكترث للشعبوية وللحسابات الانتخابية كما تم اعلانه عند تشكيلها ، لكانت لجأت كأول خطوة لتأمين التيار الى رفع التعرفة . وهنا المقصود ليس تحقيق الربح لابل تغطية كلفة الانتاج.

ومع هذا الاجراء ، لا بد من تراجع حجم الخسائر في هذا المرفق الذي يناهز مليار ونصف وحتى مليارين دولار سنويا ، وبالتالي ، زيادة الانتاج وتأمين 18 ساعة كهرباء في اليوم، بدلا من ساعتين كما هو الحال.

ويعتبر مارديني ان قرار رفع التعرفة يتطلب شجاعة ، يواكبها شرح لاهمية اللجوء الى هذا التدبير يطمئن المنتفضين والرافضين له . ولكن للأسف ، لم تتجرأ اي حكومة على المضي في هذا الاتجاه حتى الآن.

وثالثا، وفق مارديني ، من الضروري اصلاح الشبكة من قبل شركة “سيمنز”. فالهدر الموجود على شبكة النقل الحالية يتسبّب بهدر يزيد عن نسبة 40% من الطاقة المنتجة . كل الوزارات السابقة ركزّت في خططها على المعامل دون الالتفات الى وضع الشبكة المهترئة.

رابعا : لا بد من الاهتمام بمسألة الجباية ، سيما وان مؤسسة كهرباء لبنان عاجزة عن جباية نسبة ال 60 % من الانتاج الباقية على الشبكة والمؤمنة الى المستهلكين . وهنا يرى مارديني ان الحل ليس في العدادات الذكية التي تدخل في اطار الصفقات العمومية ، لا بل بكل بساطة يكمن في قطع التيار عن كل متخلّف عن تسديد الفاتورة . كما انه في كل بلدان العالم يتم الاعتماد على شركات متخصصة للتوزيع والجباية.

وفي موضوع الانتاج، يشير مارديني الى توافر عدة معامل في لبنان؛ منها ما هو قديم وبحاجة الى صيانة ، ومنها ما يجب الغائه بسبب كلفته مثل معمل بعلبك . ولا يغيب عن بالنا انه لتخفيض كلفة الفاتورة يجب تخفيض كلفة الانتاج ، علما انه من المفترض عدم حصر انتاج الكهرباء بشركة واحدة ، لابل افساح المجال امام عدد من الشركات لبناء وتشغيل معامل في اطار المنافسة المشروعة على الخدمة والاسعار ، شرط استعمال شبكة “سيمنز” لقاء ايجار محدد.

ويقول ايضا مارديني ان خطة الحكومة القاضية باستدانة 5،4 مليار دولار لضخها في قطاع الكهرباء لا تعتبر اصلاحا. اليوم تم التخلّي عن هذه الخطة . فالدولة تريد الاستدانة من اجل انشاء معامل انتاج فيما انه ما من احد سيوّفر لها هذا الدين في ظل الهدر المتفاقم .

خطة 2010 للكهرباء طارت ، والبديل الاعتماد على ” سيمنز” لاصلاح الكهرباء عن طريق انتاج ونقل وتوزيع الكهرباء من الشبكة الى المواطنين ، وبالتأكيد سيكون هناك التحسن لأن ادارتها هي افضل من كهرباء لبنان . الا انه في غضون ذلك ، يخشى من ان يتم احتكار الشبكة من قبل شركة واحدة ويترجم في رفع الاسعار . لذلك ، من الأفضل ان يتم ادخال اكثر من شركة الى السوق . وهنا يمكن التحدّث عن 3 خيارات لاصلاح الكهرباء :

بقاء الدولة المستثمر الوحيد والمستلم لكل قطاعات الكهرباء . وهو الأسوأ كما هو الحال اليوم في لبنان .

تسليم شركة ” سيمنز” الكهرباء ، وهي بالتأكيد افضل من كهرباء لبنان .

ادخال عدة شركات الى السوق الى جانب ” سيمنز” مع الابقاء على الشبكة بيد هذه الأخيرة ، و هو الخيار الأفضل.

الحل على التوتر العالي

يبدو ان قضية الكهرباء في لبنان اكثر تعقيدا من قضية ​الشرق الاوسط​ ، الا ان ​فرنسا​ مصرّة على وضعها على خط التوتر العالي للحل الى جانب طلب كل من ​صندوق النقد​ والبنك الدولين بتعيين الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء لكي تعطي ثقة وصدقية بالدولة لدى الجهات المانحة والدولية.

وابعد من ذلك، هناك ضرورة لاجراء التدقيق المالي في كهرباء لبنان تحت اشرافهما مع ما يواكب ذلك من خريطة طريق للمديين القصير والمتوسط تحدّد سبل تحسين وضع الكهرباء المالي والفني، سواء لجهة الكلفة وخفض الهدر الفني وغير الفني، أو لجهة اعادة النظر في التعرفة من دون المس بذوي الاستهلاك الكهربائي المنخفض.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع الاقتصاد