البيروقراطية الحكومية تُضيّع فرصة انهيار النفط التاريخية

البيروقراطية الحكومية تُضيّع فرصة انهيار النفط التاريخية

الإنشغال العالمي تحوّل فجأة من “كورونيّ” الى “نفطيّ”. فالانهيار غير المتوقع في العقود الآجلة للنفط الاميركي لشهر أيار، دفع الى تدني سعر برميل النفط الى (-37$)، أو ما يعني ان المنتجين سيدفعون للمشترين 37 دولاراً عن كل برميل لبيعه وليس العكس. هذه الظاهرة غير المسبوقة ظلّت محصورة في شهر 5، ولم تؤثر على عقود الأشهر المقبلة، حيث حافظ النفط على متوسط سعر 21 دولاراً للبرميل.
لا يختلف اثنان على ان تراجع الطلب العالمي على المشتقات النفطية بسبب ما يفرضه فيروس كورونا من إقفال وتعطيل لحركة النقل، هو المسبّب الاول للإنهيار النفطي. ففي لبنان مثلاً تراجع الطلب على البنزين بحسب مستشار أصحاب المحطات فادي أبو شقرا بـ “أكثر من 85 في المئة، منذ إعلان الحكومة حال الطوارئ”. تراجع الطلب المتواضع في لبنان على النفط ينسحب على أكثر من مئة دولة وآلاف الشركات العالمية العملاقة الشرهة الى النفط، كشركات الطيران والمصانع العملاقة.

الأدنى منذ 2008

التراجع الهائل في الطلب مقارنة مع ارتفاع الانتاج “استنفد كل مساحات التخزين، فلم تعد المخازن الاميركية تتسع لبرميل واحد، وهو ما يولّد بدوره ضغطاً كبيراً على الاسعار”، يقول المدير التنفيذي لشركة FX grow والخبير في البورصة حسن مازح. إلا ان هذا لا يعني من وجهة نظره ان “سعر النفط أصبح أبخس من الماء. فالضجة الاعلامية التي اثيرت حول المسألة فيها الكثير من المبالغة، إذ ان الذي انهار ليس سعر برميل النفط بحد ذاته، انما فقط عقود تسليم شهر أيار المنجزة فقط. أما بقية العقود لأشهر حزيران تموز وآب فهي محافظة على سعر وسطي بحدود 21 دولاراً للبرميل”.
باستثناء أسعار أيار غير المشهودة، فان سعر برميل النفط يعتبر اليوم الأدنى منذ العام 2008، تاريخ نشوب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة الاميركية. إلا ان رغم ذلك، فان أسعار النفط ما زالت مقبولة قياساً الى حجم الاقفال العام وتعطل ملايين المصالح حول العالم. ولا يمكن الحديث عن انهيار إلا في حال تدنى سعر برميل النفط عن نقاط الدعم المحددة بـ 18 دولاراً للبرميل. عندها فقط من الممكن ان نشهد تراجعاً الى 15 دولاراً او حتى أقل”، يقول مازح.

السيناريو المتفائل بالتأثير على الأسعار من خلال تخفيض الانتاج بمعدل يتراوح بين 10 و15 مليون برميل يومياً أصبح مع حالة الإقفال العام، غير مجدٍ. ولن ينفع الاسعار بحسب الخبراء تخفيض الانتاج الى أكثر من 30 مليون برميل يومياً. فالاستهلاك متوقف والاسواق مشبعة بالنفط، أما الشركات المنتجة فلا تستطيع من جهة الاخرى النزول تحت سقف إنتاج معين لأسباب تقنية وغير تقنية.

فرصة ذهبية

داخلياً يشكل انهيار أسعار النفط فرصة ذهبية لتعزيز موارد الخزينة، سواء من خلال زيادة الإيرادات أو انخفاض النفقات. فتثبيت سعر صفيحة البنزين على سعر 25 الف ليرة سيؤمن للخزينة مورداً مالياً كبيراً عن كل صفيحة، يضاف الى الضرائب المقتطعة والمقدرة بحدود 12 الف ليرة. في حين ستتراجع فاتورة النفط المخصصة لشركة كهرباء لبنان موقتاً. وفي العموم فان فاتورة استيراد المشتقات النفطية التي قدرت بنحو 6 مليارات دولار في العام 2019 ستتراجع بما لا يقل عن 50 في المئة، مما يعني خروج دولارات أقل والمحافظة على ما تبقى من رصيد العملات الأجنبية. الافادة الموقتة لشركة الكهرباء، المستنزف الأكبر لخزينة الدولة، “كان من الممكن ان تمتد الى ما لا يقل عن ثلاث سنوات لو كانت هذه المؤسسة في عهدة القطاع الخاص”، يقول رئيس “المعهد اللبناني لدراسات السوق” باتريك مارديني. “حيث كانت ستعمد ادارتها الى فتح مصفاة طرابلس وتخزين أكبر كمية ممكنة من النفط المجاني الذي يدفع المنتجون لبيعه بسبب نفاد المخازن. وهذه الكمية كانت لتكفي ما لا يقل عن 3 سنوات لسد حاجات الكهرباء”.التبدل والفروقات الكبيرة في اسعار النفط عالمياً يجب ان تدفع بحسب مارديني الدولة الى “اعتماد سياسة الفاتورة المتحركة التي تتحدد بناء على اسعار النفط. وهو حل إصلاحي حقيقي يغطّي الكلفة الحقيقية ويؤمّن التوازن في الكهرباء ويغنينا عن الحلول الموقتة المتمثلة بالبواخر وغيرها”.

إضغط هنا لقراءة المقال على موقع نداء الوطن