لجنة المال توصي بعدم التجديد لشركتي الخليوي وإسترداد الدولة للقطاع

لجنة المال توصي بعدم التجديد لشركتي الخليوي وإسترداد الدولة للقطاع

يعتبر الكثير من المحللين والأصدقاء الأمر إنتصاراً للثورة أو على الأقل نتيجة الضغط الشعبي: طبعاً ذلك يدرج تحت خانة نتائج الضغط الشعبي وهذا صحيح. كذلك ادرجت خطة الحريري “الإصلاحية” قبيل استقالته. ما أود مناقشته هو منافع أو مضار ما أوصت به لجنة المال.

للمقارنة أود أن أشير إلى أن الدولة تدير عدداً من القطاعات الإنتاجية الخدماتية المهمة، مثلاً الإتصالات الثابتة، طيران الشرق الأوسط،إدارة المطار، وغيرها. للأسف كل هذه المصالح والقطاعات هي عبارة عن بؤر فساد وفرص توظيفات عشوائية للسياسيين يستعملوها لأهداف إنتخابية وتنفيعات وصفقات للإثراء الغير مشروع والسرقات. إذاً إسترداد الدولة لقطاع الخليوي قد يكون مطلب بعض المنتفضين، ولكن يبقى السؤال، هل هو الحل المرجو، وكيف نحصل على النتيجة التي نتوخاها؟

تاريخياً، أعطي قطاع الخليوي كإحتكار لشركتن لبناء القطاع دون تكليف الدولة على أساس تأخذ الشركات الأرباح لمدة من الزمن وتدفع ضريبة للدولة مع إعفاءات في أول مرحلة. كانت تفوح رائحة الفساد من كل الموضوع وكان سبب سجال بين السياسيين، منقسمين بين مستفيد ومؤيد ومعارضين. بعد عدة سنين قام رفيق الحريري وكان رئيس حكومة انذاك بإلغاء العقد مع الشركتين ما كلف الخزينة عقوبات بملايين الدولارات. واسند عقد الخليوي لشركتين جديدتين وكانت تعمل لحساب الدولة.

لم يتغير على المواطن اللبناني شيء. فبقيت فاتورة الخليوي في لبنان من الأغلى عالمياً. وبقيت الخدمة من الأسوأ. أما من ناحية الفساد، فحدث ولا حرج. يتقاتل السياسين على وزارة الإتصالات لما فيها من فرص فساد وتوظيفات عشوائية وصفقات وسرقات.

أما اليوم، يعاد خلط الأوراق في ملف الخليوي، ولكن هو مكانك راوح، ينتظر من السياسيين تقسيم المغانم وبعدها لا اتوقع في الصيغة الجديدة اي منفعة للمواطن. واتوقع أن تبقى الكلفة على المستهلك غالية والخدمة أن تبقى سيئة مثلها مثل كل باقي خدمات الدولة كالكهرباء في شركة كهرباء لبنان وغيرها من الأمثلة التي عددتها أعلاه.

إن السبب بسيط. إذا أخذت عدد كبير من الموظفين وطلبت منهم أداء وظيفة معينة. ولم يكن هناك أي رابط بين ما يجنوه ونوعية العمل الذي يقمون به، أي لا تحفيز، فبالمعدل سيكون الأداء سيء. هذا أمر بديهي يعرفه كل رب عمل. فالشركات الخاصة الناجحة عندها عدد من الطرق لحل هذا المشكل. الكثير من الشركات يعطوا جائزة مالية للموظفين في كل سنة، تكون كبيرة كل ما كان عمل الموظف ذات نوعية كبيرة. تلعب هذه الإضافة على الراتب كمحفز لكل موظف. رب العمل يريد أن يبقي على الإنتاجية العالية والكلفة المنخفضة. يعمل هذا التوازن لضبط سوق العمل. فإذا إنخفض أجر العمال في شركة مقارنةً بالسوق يبدأ الموظفين بتغيير مكان عملهم طمعاً بمدخول أعلى، وإذا تراجعت إنتاجية أي موظف يقوم رب العمل بالتدخل للمحافظة على إنتاجية الشركة وعلى الأرباح. أما بالنسبة للمستهلكين فيضمن التنافس بين عدة شركات حصولهم على أفضل الأسعار الممكنة وافضل خدمة ممكنة. مع العلم أن التنافس يخلق الكثير من الخيارات للمستهلكين. فكل شركة تحاول إبتداع العروض لجذب الزبائن.

هذا كله ينطبق على معظم القطاعات المنتجة والخدماتية وخصوصاً الخليوي. فيتحول القطاع من بقرة حلوب يستفيد منها السياسيون عبر تنفيعات إنتخابية وصفقات إثراء عير مشرعة،يدفع ثمنه المواطن عبر فواتير باهظة، يتحول إلى قطاعٍ يتنافس فيه كل من يرغب أن يدخل المنافسة، واللبنانيون يبدعون عالمياً في القطاعات الإنتاجية، ولا ينقصهم غير حماية القانون ليقوموا بالعمل ذاته في لبنان. إذا نظرنا بلمحة سريعة على الدول التي نطمح أن نصل إلى مستواها من الإزدهار، نرى أن سويسرا وبريطانيا وايرلندا وفرنسا وبلجيكا وغيرها، كلها تعتمد على التنافس بين شركات خاصة يختار كل مستهلك من يريد أن يتعامل معه للحصول على خدمة الخليوي. تجني هذه الشركات أرباحاً وتدفع الضرائب على هذه الأرباح. يدفع المستهلك فاتورة صغيرة أو كبيرة حسب نوعية الخدمة التي يريد. في كل الأحوال هي أفضل باشواط من ما هو الحال في لبنان.

إن فتح قطع الإتصالات عامةً والخليوي جزء منه إلى المنافسة للسماح لكل من يريد أن يدخل القطاع، دون دفتر شروط، ورخص، هو الحل المرجو لإفادة المواطن. أم الرخص ودفتر الشروط، فكليهما شبابيك فساد يستغلها السياسيون للتحكم بمن يمكنه أن يدخل القطاع عبر تدفيعهم كلفة تارةً مالاً مباشر وتورا عن طريق جبرهم بأخذ عدد من الموظفين المحسوبين على الوزير أو غيره من السياسيين، فيعمل السياسيون على منع المنافسة الفعلية بحصر من يمكنه دخول القطاع.

إن الطريقة ذاتها تتبع في غير قطاعات. فالمصارف محمية من دخول منافسين عبر نفس طريقة فرض شروط وإعطاء رخص، كذلك إستيراد المحروقات وغيرها. الحجة المستعملة هي تنظيم القطاع، فيما الحقيقة هي منع المنافسة وحصر القطاع بالمحاصصة بين النافذين.

لا شك أن للضغط الشعبي في الشارع الأثر الكبير على الطبقة السياسية اليوم. خوفي أن مطالب الشارع ما زالت تدور في فلك فكرة الدولة الفاضلة الغير موجودة في العالم. الحكومات في كل العالم فاسدة. والإنتخابات تأتي بمن حصل عل ٥١% من الأصوات، هذا لا يعطي الحكومة ألحق بالتصرف ب-١٠٠٪ من موارد وقطاعات الدولة. ليس مسؤولية الدولة إدارة الخليوي. علينا أن نصوب مطالب الشارع نحو إفادة المواطن بأكثر الطرق العملية الممكنة ضمن امكانات الدولة المحدودة خاصةً في ظل المديونية العالية. ليس من مصلحتنا كشعب أن نزيد موظفين شركات الخليوي على موظفين الدولة. علينا أن نسير بألإتجاه المعاكس. علينا أن نعمل لفتح كل القطاعات الإنتاجية للمنافسة، والعمل على نقل أكبر عدد من موظفين الدولة إلى شركات خاصة تتنافس فيما بينها لإستقطاب الزبائن.

يربح اللبنانيون عندما تكون كلفة الخليوي صغيرة والخدمة عالية والدولة تجني الضرائب من أرباح الشركات التي تعمل في القطاع، ولا تدفع أي مصاريف لإدارة القطاع. هذا هو إنتصار الثورة والشعب!