سنة تلو أخرى تتراجع ايرادات قطاع الاتصالات، وبعد تراجعه العام الماضي نحو 30% يتوقع أن يتراجع أكثر هذه السنة. فبحسب موازنة 2019 يتوقع أن تنخفض عائدات الخليوي نحو 400 مليون دولار. يعزو البعض أسباب انخفاض العائدات الى الوضع الاقتصادي السيئ في البلد وانخفاض الناتج المحلي للفرد، فيما يردّه البعض الآخر الى الاستخدام المفرط لتطبيق “الواتساب”.والمشكلة أن تراجع إيرادات القطاع يقابله ارتفاع في الاسعار، إذ حل لبنان في المرتبة السادسة ضمن لائحة أغلى دقيقة خليوية في العالم (0,29) بحسب دراسة صدرت حديثا لموقع Numbeo، فيما بلغت مرتبة خدمة انترنت الخليوي 31، وهو ما يعادل سرعة 38 Mbps. وللمقارنة، تبلغ هذه السرعة في كوريا الجنوبية 90 Mbps أي نحو ضعفي مثيلتها في لبنان، وبكلفة أقل. وكان الموقع أصدر تقريرا في تشرين الثاني 2016 بيّن أن لبنان تصدر قائمة الدول العربية في سعر دقيقة التخابر بـ30 سنتا، على الرغم من التخفيضات المتكررة للاسعار التي أجرتها وزارة الاتصالات.
لا ينكر وزير الاتصالات محمد شقير أن “خدمة الاتصالات في لبنان مكلفة، لأننا ندفع الكلفة والضريبة عليها”، مشجعا فتح الباب لشركة اتصالات ثالثة في لبنان، بغية رفع المنافسة بما يؤدي تلقائيا الى خفض الأسعار”. كما أنه لا يخفي اقتناعه بأهمية تحرير قطاع الاتصالات، إذ كشف أكثر من مرة، وآخرها في مقابلة مع “النهار” عن اقتناعه بأن قطاع الاتصالات ليس كما كان سابقا “بترول لبنان”. واقتناعه بضرورة خصخصة قطاع الاتصالات نابع من “تجارب 198 دولة في العالم اعتمدت هذا الخيار، وليس من 3 دول بينها لبنان لا تزال الدولة فيه تمتلك القطاع… ويقترح في هذا الاطار “بيع جزء من القطاع مثل الادارة”، علماً أنه مقتنع أيضا بأن بيع القطاع “لا يعني توقف الدولة عن جني الارباح، إذ إن فرض الضرائب على الشركات يمكن أن يدر أرباحاً اكثر”.
وتوصلت دراسة أعدها المعهد اللبناني لدراسات السوق عن قطاع الاتصالات الى ان “طريقة تلزيم قطاع الاتصالات في لبنان تمت بالشكل الخطأ على نحو قلص أرباح الدولة في هذا القطاع وظلم المواطن، وجعل السوق تتقوقع حول شركتين تتقاسمان الاحتكار. لذا فإن المشكلة الاساسية ليست مشكلة فساد او سرقة بالمعنى الشعبوي للكلمة، بقدر ما هي مشكلة طبيعة العقد الذي فرض على الدولة تكبد أعباء نفقات الاستثمار، بحجة أن القطاع ملكها وترك لشركات التشغيل ترف تحصيل الارباح ومنح الدولة حصة من المردود.
ويوضح المحلل الاقتصادي في المعهد مجدي عارف أن “نفقات الدولة على القطاع مرشحة للتصاعد الى 150 مليون دولار في السنوات المقبلة، فيما اللافت أن هذا الإنفاق المتمادي لا تفيد منه الدولة ولا المواطن”، مشيرا الى أن “كل القطاعات الإنتاجية من زراعة وصناعة وخدمات تتكبد خسارة كبيرة بسبب وضع الاتصالات والانترنت، بما يحجب العديد من الاستثمارات المنتجة والضرورية عن لبنان. ويبرز هذا الأمر بكل وضوح في تأخر لبنان عن توفير التكنولوجيا الحديثة، إذ يحتل المرتبة 91 من 138 والمرتبة 123 في الاستثمارات التكنولوجية بحسب مؤشر التنافسية العالمي. ويساهم تخلف القطاع في تباطؤ النمو الاقتصادي الذي بلغ 0.2% للعام 2018 بحسب أرقام البنك الدولي، على نحو خفض حجم الإيرادات الضريبية للدولة عموما”. أما الاستثمارات الضخمة في القطاعات الإنتاجية، ومنها الاتصالات التي تعتزم الدولة تنفيذها بدلا من فتحها للقطاع الخاص، فمن شأنها وفق عارف أن “تخفض مرتبة لبنان في مؤشر الحرية الاقتصادية، علما أنها 74 من أصل 162، وهو ما يعني خفض نسبة النمو الاقتصادي بشكل أكبر في السنوات المقبلة”.
أما بالنسبة إلى الحل، فيوضح عارف أن “تحرير القطاع والسماح لشركات جديدة بدخول السوق والاستثمار على نفقتها الخاصة وامتلاك القطاع وإدارته ستوفر مدخولا كبيرا للدولة عبر رسوم التراخيص التي يمكن أن تتقاضاها واستثمار الترددات اللاسلكية والضريبة على القيمة المضافة والأرباح، كما أن المنافسة بين عدد كبير من الشركات الخاصة تخفض الكلفة على المواطن وتحسن النوعية. لذا فإن احتسبنا ما تخسره الدولة والمواطن والقطاعات الأخرى جراء سياسة التحكم في القطاع، فإننا نجد أن مردود الدولة سيتضاعف في ظل تحرير القطاع”. ويوضح أن “زمن تحكم الدولة في قطاع الاتصالات قد ولى منذ عقود في كل دول العالم، وبات من النادر جدا إيجاد من يعتمد سياسة احتكار قطاع الخليوي”.
ليس خافيا أن فاتورة الاتصالات مرتفعة جدا بسبب الضرائب الكبيرة وغير المباشرة التي يدفعها المستهلك اللبناني عند تسديد الفاتورة، فيما تستمر الدولة اللبنانية في سياسة الإنفاق المرتفع على قطاع الاتصالات، والحصيلة ديون إضافية وفاتورة مرتفعة وخدمة لا توازي الاستثمارات، أما العائدات فإلى انخفاض. وكل هذه المشاكل من شأنها إبقاء الدولة على احتكار هذا القطاع. لذا فإن محاولات إصلاح القطاع ضرورية، لكنها لن تثمر ما لم تدفع في اتجاه فتح السوق للمنافسة بما يعود بالفائدة على الدولة والمواطن على حد سواء