تتحضر وزيرة الطاقة ندى البستاني لعرض دفتر شروط مناقصتين لإنشاء معملين لإنتاج الطاقة الكهربائية في الزهراني وسلعاتا على اللجنة الوزارية المختصة اليوم. وعلى عكس ما كان يحصل في الاعوام الماضية، فإنّ هاتين المناقصتين ستجريان على أساس القانون 129/2019 لاستقدام منتجي كهرباء مستقلين (Independent Power Producers – IPP ). لذا تتجه الأنظار إلى دفتر الشروط وما إذا كان سيسهل دخول شركات الكهرباء إلى السوق اللبنانية ويطلق منافسة شريفة وعادلة بينها.
ويستغرب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني “التناقض بين كلام البستاني عن رغبتها في الذهاب إلى إدارة المناقصات وقرارها بعرض دفتر الشروط على مجلس الوزراء في الأسابيع القادمة. فقد كان من الأجدى تحويل الملف إلى الإدارة أولا للتحقق من احترام دفتر الشروط للأصول والقوانين والأنظمة. أما الطلب من الحكومة إقرار دفتر الشروط على علله المحتملة، فقد يسبّب حرجا وسجالا سياسيا، كما حصل في الحكومة السابقة في ملف الكهرباء حيث اتهم بعض الوزراء نظرائهم بالموافقة داخل الجلسة وثم المعارضة خارجها، كما اتهموا إدارة المناقصة بمخالفة قرارات الحكومة لمجرد أنها قامت بعملها”.
لذا كان من الافضل برأي مارديني أن تستبدل عملية التصنيف التي أطلقتها الوزارة في شهر تموز الماضي بعملية تأهيل تجريها إدارة المناقصات. فالتصنيف الذي تم اتباعه يفرض على الشركات الأجنبية التعاقد مع فرع أو شريك أو وكيل لبناني. ومن غير المتوقع أن تنشئ الشركات الأجنبية مكتباً في لبنان وأن توظف جهازاً إدارياً وجهازاً فنياً وأن تتكبد عناء الاستحصال على شهادات التسجيل والرخص والإفادات قبل أن يحق لها تقديم عرضها. ويعني ذلك فعليا أن التصنيف بشكله الحالي يفرض على الشركات الأجنبية مفاوضة المتعهدين المحليين والتحالف معهم أولا كشرط للتقدم إلى المناقصة. وهذا ما يفتح المجال أمام بعض المتعهدين للتحكم بالعروض وتقاسم الأدوار وفرض أسعارهم على الدولة”.
أما مناقصة محطات التغويز (Floating Storage Regasification Unit – FSRU)، فإنها وفق ما يقول “ستفضي إلى سعر محدد للغاز يسمح لمنتجي الكهرباء بأن يستندوا عليه لتقديم عروضهم، كما يمكن مقارنته بأسعار الغاز العالمية من أجل ضمان الشفافية”. وفي حال ألغيَت مناقصة الغاز، فسيرتفع الشك (Uncertainty) لدى المشاركين في مناقصة الكهرباء، وهو ما يؤدي إلى أن رفع أسعارهم على الدولة. أما في حال تم دمج مناقصتي الغاز والكهرباء، فإنّ ذلك يطمس سعر الغاز بالكهرباء ويحرم الدولة من معيار المقارنة مع الأسعار العالمية. كما يقصي الشركات المتوسطة والصغيرة عن المناقصة بسبب الكلفة المرتفعة ويسلم استيراد الغاز وإنتاج الكهرباء إلى الشركة نفسها، ما يضع الدولة اللبنانية تحت رحمتها”.
من هنا يشدد مارديني على أهمية “ترك حرية اختيار نوع الوقود للعارضين حتى لو تأمن الغاز الطبيعي المسال. فبعض الشركات قد تفضل استعمال تقنيات هجينة (Hybrid Power) تمزج بين وسائل إنتاج وتخزين متعددة وأنواع وقود مختلفة. وقد تتمكن هذه الشركات من المنافسة وتأمين كهرباء أنظف بكلفة أدنى مع الانخفاض السريع لأسعار الطاقة البديلة. وعليه فان إعطاء هذه الشركات فرصة للمنافسة يسمح بتفادي الغائها لاحقا. ومن هنا، فلا داعي لتحديد قدرة دنيا أو قصوى لوحدات التوليد التي سيجري تركيبها كي لا نحرم المنتجين المحتملين من استعمال التقنيات التي تعتمد على مجموعة وحدات صغيرة بدلا من معامل إنتاج كبيرة، إذا وجدوا أنها تؤمن عرضاً أفضل”.
ويمكن لنظام منتجي الكهرباء المستقلين(IPP) أن يوفر مليارات الدولارات على الخزينة العامة، إذ إنه يسمح للشركات الخاصة بتصميم محطات توليد الكهرباء وبنائها وتشغيلها على نفقتها الخاصة، لا على نفقة الدولة. والكلام عن بدء العمل في دير عمر 2 وفق الصيغة عينها تزامناً مع إطلاق مناقصات في الزهراني وسلعاتا يؤمن التوازن المناطقي والطائفي المطلوب. ولكن التجارب أثبتت أن فرض شروط تعجيزية على العارضين يؤدي إلى هروب الشركات الجدية وإلغاء المناقصات وتسعير الخلاف السياسي وتأخير تنفيذ خطة الكهرباء، ولم يعد الوضع الاقتصادي يحتمل