لطالما يعاني اللبنانيون من قطاع المياه، وعدم قدرة الدولة على الإستفادة العلمية والتجارية القصوى منه. وبيقى الحل المتقدم والأوحد لحل هذه المعضلة المزمنة، خصخصة ملف المياه عبر القطاع الخاص، إذ لا يجوز، ولا تتحمل الدولة أصلاً، ان تبني على نفقتها الخاصة السدود وكذلك تنظيف الأنهر.
وبالتالي تغطي الدولة كلفة إستثمار المياه من خلال بيعها، فالشعب اللبناني يشتري المياه بكلفة عالية، وفي المقابل تستطيعالدولة ان تبيعه بكلفة منافسة و رخيصة. وهذا النظام جرى إتباعه في العديد من الدول الأوروبية ومنها بريطانيا. أظهرت المصلحة الوطنية لنهر الليطاني قبل أيام أن أكثر من 600 حالة في بر الياس من أصل 16000 نسمة مصابون بالسرطان. والملفت هو أن أحد روافد الليطاني الذي يمر في القرية مملوء بالنفايات السامة والصرف الصحي ومخلفات المصانع، ما يعني أن المياه والمزروعات التي يستخدمها الأهالي هي على الأرجح مسرطنة وغير قابلة للاستعمال.
وبحسب رئيس المصلحة سامي علوية، فإنّ حوالي 300 بلدة تعاني مثل بر الياس من هذه المشكلة. وبحسب دراسة للمعهد اللبناني لدراسات السوق، فإنّ “الدولة تعهدت في العام 2016 بتخصيص مبلغ وقدره 1100 مليار ليرة لمكافحة التلوث في نهر الليطاني عبر القانون 63. ولكن هذا المشروع قد وضع في ظروف مالية صعبة للحكومة، فهي غير قادرة اليوم على تحمل نفقاتها الحالية ناهيك عن مشاريع ضخمة بهذه الكلفة. فقد قُدِّرَت إيرادات الدولة هذه السنة بحوالي 18.8 مليار ليرة، ما يعني أن مشروع الليطاني سيستحوذ على 6% منها إن نفذ. وكذلك فإنّ هذا الاستثمار لا يؤمن مردوداً فعليّاً للدولة ولم يتم حسبان حتى لكيفية رد كلفته الضخمة ما سيفاقم عجزها. فمن المفترض أن يكون هذا النهر مصدر دخل للدولة، كونه مورداً طبيعياً أساسياً، حاله حال النفط والغاز، يحتاجه المزارعون والمصانع ويمكنه استقطاب استثمارات ومشاريع بدلاً من الأمراض الحالية”.
ويوضح المحلل الاقتصادي في المعهد مجدي عارف أن “السبب وراء الاستهتار بثروة المياه الضخمة التي ينتجها الليطاني يعود إلى كونها ملكاً عاماً، أي إنها مملوكة من الجميع، وغير مصانة من أحد في آن واحد. فكل قرية يمر فيها الليطاني تأخذ حاجاتها منه بالمجان وترمي مخلفاتها دون حسيب أو رقيب، كون المياه ملكاً عامّاً. ولذلك برزت النتائج السلبية التي يشهدها الأهالي اليوم من أمراض وروائح وتلوث، ما جعل المنطقة شبه منكوبة.”
وتقترح الدراسة تحويل هذا المشروع للقطاع الخاص حيث تستأجر شركة معينة المرفق الذي هو النهر أو تشتريه عبر عقود إعادة التأهيل والتشغيل والنقل (Rehabilitate, Operate Transfer- ROT) أو إعادة التأهيل والتشغيل والاستملاك (Rehabilitate, Own, Operate- ROO). وتقوم الشركة بالاستثمار على نفقتها الخاصة لتحسين نوعية المياه واستخدامها في شتى المجالات مثل مياه التعبئة للشرب وبيعها، أو بيعها للمزارعين والمصانع والمنازل والمرافق السياحية إنما بنوعية جيدة. وهكذا تنتعش البلدات المجاورة للنهر وتستقطب الزوار والاستثمارات دون أية كلفة على الدولة، بل مقابل مردود، في حين تقوم الشركة المستثمرة بالحرص ما أمكنها على تحسين نوعية المياه والاستفادة من الثروة وعدم تلويث النهر حتى لا تذهب مياهه هدرا وتنتج عن ذلك خسارتها.
ويشيد عارف بالتجارب الناجحة التي قام بها القطاع الخاص في استثمار المياه في العديد من المناطق في دول مثل فنلندا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة. ويشرح أنه “إذا ما أردنا أن ننظر إلى مرافق المياه الأكثر نجاحاً في العالم، فإنّنا نجد أن القاسم المشترك بينها هو تشجيع استثمار الشركات الخاصة على نفقتها لتحسين القطاع، كما نجد أنّ هذه الشركات هي كذلك الأكثر نجاحاً في الحفاظ على الثروة المائية. فبريطانيا مثلا نجحت بالحفاظ على الموارد المائية وأثبتت التحاليل أنها تطابق المعايير بنسبة 99.96% وهي نسبة ممتازة”.
وفيما يتعلق بتنظيف النهر والقدرة على استثماره، يقول عارف إن “الخبراء ومن بينهم رئيس مصلحة الليطاني قد أكدوا أن بإمكان النهر تنظيف نفسه في وقت قصير وأن بالإمكان استعمال المياه متى استطعنا وقف التلويث، ولكن العبرة تكمن في منع ظهور هذا التلوث من جديد. ومن هنا تبرز أهمية نقل هذه الموارد من الملكية العامة إلى ملكية خاصة تحرص على الاستفادة منها والحفاظ عليها وإفادة غيرها من مزارعين ومصانع ومراعٍ ومنتجعات بالقرب من النهر. ولئن فشلت هذه المؤسسة، فهي، لا الدولة، من يتحمل الخسارة”. ولا يزال يطلق على نهر الليطاني اسم “نهر الموت”، علما أنه يشكل ثروة مائية قادرة على إنعاش المناطق التي يمر بها، أي ربع لبنان. ولا شك في أنه يمكن تحويل مياهه إلى مورد مالي للدولة بدلاً من إنفاق مالي ضخم، مع توفير خدمة جيدة للمواطنين وإنعاش المناطق القريبة منه. وإذا ما اعتُمِدَت الخطة الصحيحة، يمكن للبنان أن يعوض المتضررين بإبعاد المرض عنهم ومساعدتهم لينعموا بثروات الطبيعة من جديد