تَعمد الدولة اللّبنانيّة إلى إطلاق هندسات وإجراءات استثنائيّة لتخطّي الأزمة الماليّة والاقتصاديّة التي تُخيّمُ على لبنان عبر سلسلة من الخطوات التي لم تفلح حتى السّاعة في رفع الخطر الاقتصادي. وكذلك فإنّ سندات الخزينة نفسها، والتي نعول عليها لتمويل الدولة وتغطية عجز ميزان المدفوعات، باتت عاجزة عن إحداث أيّ فارق على المستويين الاقتصادي والمالي،
لا سيّما أنّها وصِفَت بأسوأ سندات في التاريخ. ويعود التدهور القياسي لسندات الخزينة إلى خطورة تخلف الدولة عن دفع ديونها، خصوصاً وأنّ الموازنة العامة باتت في عجز كبير. وقد جاءت هذه الأزمات نتيجةً حتميّة لمسار مُعَقَّد تشَابكت فيه عوامل الأزمة اللّبنانيّة القائمة منذُ مدّة طويلة.
ولا تكادُ الدولة اللّبنانيّة تخرج من عقدة إلّا ودخلت في أخرى، إذ ادعت تخفيض العجز خلال موازنة 2019 لإقناع المجتمع الدولي أنّ باستطاعتها تسديد الديون، غير أنّ هذا الأمر فعليّاً غير وارد.
وقد أكّد رئيس المعهد اللّبنانيّ لدراسات السوق د. باتريك مارديني أنّ ثمة ثلاث نقاط تدلّ على غياب جديّة الدولة في تعاطيها مع تسديد ديونها. أمّا الأولى، فهي حذف خسائر الكهرباء التي لم يتم احتسابها في العجز، على الرغم من أنّ الدولة اللّبنانيّة ستستدين هذه الأموال لتسديدها. وأمّا الثانية، فهي الادعاء بأنّ القطاع المصرفي سيكتتب بسلفة 1 في المائة، إلّا أنّ الفائدة وصلت في الحقيقة إلى 14 في المائة. أمّا النقطة الثالثة، فهي تضخيم الواردات، إذ اعتبرت الدولة أنّ مجرّد فرضها لضرائب سيرفع من مدخولها، إلّا أن الحقائق تُشير إلى دخول لبنان انكماشاً اقتصاديًّا في سنة 2019. وبطبيعة الحال، لا يُمكن لأيّة دولة في العالم، أيّاً تكن، زيادة وارداتها في ظلّ الانكماش. وعليه، يُمكنُنا اعتبار زيادة الواردات وهميّة، فالدولة اللّبنانيّة تدّعي أنّها في عجز يبلغُ 7 في المائة في العام 2019، غير أنّه من المتوّقع أن يبلغ عجزها الفعلي 14 في المائة، والأسواق الماليّة على دراية تامّة بهذه الأمور كافّة و من هنا خفض التصنيف الائتماني وارتفاع الفوائد.
وبحسب مارديني، يكمنُ الحلّ في أن تُظهر الدولة اللّبنانيّة للمجتمع الدولي مدى جدّيّتها في محاربة العجز من خلال ضبط الإنفاق العام، خصوصاً وأنّ دول عدّة قد اتّبعت هذه الطريقة وحقّقت جرّاءها نجاحاً كبيراً. ومن أبرز تلك الدول سويسرا وهونغ كونغ اللتان وضعتا سقف للانفاق في دستوريهما لإظهار مدى جدّيتهما في التّنفيذ.
ويبقى السؤال اليوم عن إمكانيّة وضع خطّة نقديّة وماليّة مُتكاملة بدلاً من تأخير الحلّ أو إخفاء الأزمة