يبدو أن معركة فرض العدادات على أصحاب المولدات قد بدأت في ظل التعرفة التي يقترحها وزير الطاقة والمياه، ويلوّح مع وزير الاقتصاد والتجارة بتطبيقها بالقوة. وفيما يؤمل أن يؤدي تركيب العدادات الى خفض تدريجي لتعرفة المولدات، تتجه وزارة الطاقة الى تطبيق استراتيجية الرفع التدريجي لتعرفة مبيع الطاقة لدى “مؤسسة كهرباء لبنان” خلال المرحلة المقبلة. لكن السؤال: هل يمكن رفع تعرفة المؤسسة مع تراجع الانتاج وساعات التغذية في حال لم يتم توفير التمويل للبواخر بما فيها “الباخرة المجانية”؟
ارتفع سعر اشتراك المولدات في لبنان بشكل حاد في حزيران 2018، وعلت صرخة المواطن، فردّ وزير الاقتصاد والتجارة في 12 تمّوز بإصدار مذكرة تجبر أصحاب المولدات على تركيب نوع محدد من العدادات على نفقتهم الخاصة لجميع المشتركين بدل نظام الاشتراك الحالي، وذلك بحلول آخر ايلول 2018، على ان تقوم الوزارة بتحديد الأسعار ومراقبتها رغم تأكيدها أن نشاط المولدات غير قانوني، ولا يحق لأصحابها المطالبة بأي تعويض لاحقاً، بسبب الاحتكار الممنوح لـ”مؤسسة كهرباء لبنان” في مجال الإنتاج، فما كان من أصحاب المولدات الخاصة إلا أن هددوا بالتوقف عن تقديم الخدمة والعمل، وقطع الكهرباء وإغراق لبنان في العتمة.
لا يستغرب رئيس المعهد اللبناني لدراسات السوق الدكتور باتريك مارديني ارتفاع سعر الاشتراك في المولدات، ويعزوه إلى أخطاء ارتكبتها وزارة الطاقة والمياه التي كانت منشغلة في السنوات الماضية باستئجار السفن، ومحاولة بناء مصانع جديدة. ومع زيادة أسعار النفط عالمياً إلى نحو 74 دولاراً في حزيران 2018 مقارنة بـ47 دولاراً العام الماضي، وجدت الوزارة نفسها عاجزة عن تأمين كميات المحروقات الكافية، لتلبية حاجات المعامل. لذا لجأت كهرباء لبنان إلى زيادة ساعات التقنين على المواطن، بما اضطر أصحاب المولدات إلى انتاج المزيد من الكهرباء، وشراء المازوت بالسعر المرتفع. من هنا يؤكد مارديني أن الوزارة “لم تستطع إيجاد التوازن المناسب بين الإنفاق على الاستثمار، وتغطية مصاريف التشغيل، وأسرفت بالأولى، وقصّرت بالثانية، لكنها نجحت في إلقاء اللوم على أصحاب المولدات ووضعهم بمواجهة الاهالي”.
اليوم تسعى وزارتا الطاقة والمياه والاقتصاد إلى فرض العدادات، وتحديد الأسعار من أجل “حماية المستهلك”. لكن هذه السياسة قد تنعكس سلباً على هذا المستهلك، وتعيده أكثر من 30 سنة إلى الوراء، أي إلى استخدام الشمعة وربما قنديل الكاز. فوزارة الطاقة، وفق ما يشرح مارديني، تضع 3 أكلاف محتملة لإنتاج الكهرباء عبر مولدات الاشتراك (Low، Average، High) ثم تضيف إلى كل منها نسبة ربح تعتبرها مقبولة. غير ان هذه الطريقة الحسابية تعاني من مشكلات جوهرية لأن الأكلاف التقديرية الثلاثة لا تراعي كل الحالات ولا تعكس جميع الاحتمالات، وتاليا فإن هذه التسعيرة ستكون منخفضة لبعض المولدات، ومرتفعة للأخرى، ما يعني أن بعض المنتجين سيجني الأرباح، والبعض الآخر سيخسر. لذا يصبح من الأجدى لمن يتكبد الخسائر بيع مولداته إلى سوريا والعراق وغيرهما… وتوظيف ثمنها في سندات الخزينة اللبنانية، الامر الذي يمكّنهم من جني نحو 10% فائدة سنوياً من دون عناء ومخاطر توليد الكهرباء المترتبة عن التدابير المستجدة، بما سيؤدي إلى إغراق مناطق من لبنان في الظلمة. أما من يحتاج من المواطنين، وأصحاب الأعمال والمهن إلى الكهرباء بشكل ملحّ، فسوف يكون ملزماً الموافقة على دفع سعر أعلى لأصحاب المولدات المتبقين “من تحت الطاولة”. وعندئذ لن يكون أمام الوزارة إلا أحد خيارين: إما دعم المازوت من أجل إعادة أصحاب المولدات إلى نشاطهم في السوق، وإما استئجار سفن كهرباء إضافية. وفي كلتا الحالين، ستتحول كلفة الكهرباء إلى دافعي الضرائب وزيادة عجز الخزينة وحدة أزمة المالية العامة ويقربها من شفير الانهيار الكامل.
يعاني الاستثمار في قطاع المولدات من مخاطر مرتفعة (High Risk Premium)، ويعود سبب هذه المخاطر إلى أن الإنتاج غير شرعي، ويمكن وقفه من الدولة في أي لحظة، والتسبب بخسارة رأس المال. وهذا ما أكده وزير الاقتصاد والتجارة في القرار رقم 100/1/أ.ت. واصفاً وضع أصحاب المولدات بغير المحمي قانونا، وغير المشروع نظرا إلى حصرية إنتاج الطاقة الكهربائية بـ”مؤسسة كهرباء لبنان”. وبما أن ارتفاع مستويات المخاطر مرتبط بعوائد عالية، فمن الطبيعي، وفق مارديني، أن يكون عائد المولدات أعلى من عائد الاستثمار في سندات الخزينة. فإذا وضعت وزارة الطاقة العائد على الاستثمار بالمولدات 10%، أي موازياً لفائدة سندات الخزينة، فهذا يعني أن الوزارة لا ترى أي خطورة على عمل أصحاب المولدات، وتقر بعدم قدرتها على توفير 24 ساعة كهرباء في السنوات المقبلة. أما إذا أصرت الوزارة على قدرتها على تأمين الكهرباء، فهذا يعني أن مخاطر الاستثمار بالمولدات ستكون مرتفعة، ما يبرر عوائد قد تصل إلى 30% أو 40% أو حتى 50% بحسب الأفق الزمني لتأمين تغذية الـ24 ساعة.
ويرى مارديني ضرورة وضع الاطر لفتح ابواب المنافسة وحماية اصحاب المولدات الذين ينوون دخول السوق، بغية الحد من ارتفاع الاسعار وتحسين النوعية وتشجيع المواطنين على الاشتراك في المولدات التي تستخدم العدادات بدل “الديجانتير”.
إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع النهار