لئلا تتكرر مأساة جورج زريق… هذا هو الحل

لئلا تتكرر مأساة جورج زريق… هذا هو الحل

جورج زريق، مواطن لبناني أثقلت كاهله أعباء الحياة اليومية ومتطلباتها. ففي حادث مأسويٍ، قام جورج بحرق نفسه أمام مدرسة أولاده، وذلك ربما لِعجزه عن تحمّل التكاليف التعليمية لابنته في مدرسة خاصة. جورج، مثله مثل الكثير من الأهالي اللبنانيين، يحاول جاهدا تأمين احتياجات عائلته الأساسية مِن مأكل وملبس وتعليم، في ظل أوضاعٍ معيشية صعبة جدا. وقد ترافقت هذه الحادثة مع العديد من الآراء: فكان بعضها يضع اللوم على المدارس الخاصة التي برأيهم تحصل أرباحاً طائلة على حساب أهالي التلاميذ بالأقساط المرتفعة والزيادات غير المنطقية، والبعض الآخر يسيس هذه الحادثة لتكون الباب الذي من خلاله يتم تسليط الضوء والسعي لدعم مدارس القطاع العام.

وبِحسب المحللة الاقتصادية في المعهد اللبناني لدراسات السوق ايليان البدوي، فـإن تقديم دعم إضافي للتعليم في المدارس الرسمية ليس الحل، إذ إن الأهل يلحقون أولادهم في التعليم الخاص كون هذا الأخير يضمن لهم تسلق السلم الإجتماعي، ما قد يمكن هؤلاء، بعد تحصيلهم العلمي، من تحسين ظروفهم المعيشية. لذا، وعلى الرغم من مجانية المدارس الرسمية، فإن الأهالي كجورج، الساعين إلى تقديم الأفضل لأطفالهم، لا يقبلون إلا بإلحاق أولادهم بالمدارس الخاصة ذات المستوى الرفيع. فأداء المدارس الرسمية منخفض، إِذ إنها تسجل معدلات نجاح في الامتحانات الرسمية أقل من تلك الموجودة في المدارس الخاصة، علما أن هذه الامتحانات باتت سهلة جدا. فعلى سبيل المثال، ينجح 73,32% من الطلاب في القطاع العام في الشهادة المتوسطة في مقابل 87,7% في القطاع الخاص ، كما أن 54% من أساتذة الدولة هم من حملة الإجازات الجامعيّة في حين أن حملة الكفاية التربوية يشكلون أقل من 5%.

وتضيف البدوي، إن 80% من الأهالي لا يثقون بالتعليم الرسمي على الرغم من أن وزارة التربية خصصت له في ميزانيتها 1445,7 مليار ليرة، تنفق بمعظمها على فائض من الأساتذة. كما أن طبيعة الوظيفة العامة تجعل منَ المستحيل إقالة أُستاذ غير كفوء لا يقوم بعمله بالشكل المناسب مهما زاد إنفاق الدّولة على هذا القطاع. والأسوأُ أن المحاسبة غائبة بشكلٍ مطلق، وَالدّليل على ذلك سلسلَة الرُّتب والرَّواتب الأَخيرة التي أَعطت الزَّودة للأستاذ المنتج وغير المنتج على حدٍ سواء. والنَّتيجة تشجيعِ أَساتذة التعليم الرسمي على الكسل وعدم الإنتاجية، بات التلميذ هو الضحِية.

من هذا المنطلق، تقترح البدوي مساعدة الدولة للأهالي الفقراء الراغبين في نقل أولادهم إلى المدارس الخاصة أسوة بما تقوم به مع موظَّفي القطاع العام الذين يعلمون أولادهم على حساب الدولة في المدارس الخاصة، وهو ما يعطي بصيص أمل لهؤلاء بالحصول على تعليمٍ ذي مستوى عال بأقل تكلفة ممكنة. وهذا ما تفعله الدول مثل فنلندا والسويد وسواهما التي تستعمل القسائم التعليمية لهذه الغاية. أما في لبنان، فتقول أنه “ينبغي تغيير تعاطي الدولة مع المدارس الرسمية. فبدلا مِن أَن تغطي الدولة تكاليف المدارس الرسمِية كما يحصل اليوم، مع ما يرافقها من تدن في المستوى وَارتفاعٍ في الهدر، تقسم الدولة الـ 1445,7 مليار ليرة على التلاميذ المعارف، أي ما يعادل 3 آلاف دولار للتلميذ الواحد، تصرف في المدرسة التي يختارها. فمن يختار المدارس الرسمية يدفع ما تستوجِبه هذه المدارس، أما من يقرر الانتقال إلى المدارس الخاصة، فيفتح لَه المجال لذلك”. مِن هنا، ووفق البدوي “يتأمن الدافع اللازم للمدارس الرسمية لِتحسين مستواها التعليمي لكي تحافظ على عدد تلاميذها، كونهم أصبحوا متحكمين بتمويلها. أما المدارس التي لا تحاول التحسن، فهي بصدد الإغلاق.

لما كان تعليم أولادنا الأساس الذي يرتكز عليه مستقبَلهم وأهميته في تأمين عيش كريم لهم، فلا ضير برأي البدوي “من التخلص من المدارس السيئة والحصول على أفضل الخدمات بأفضل كلفة، في ظل موازنة لا تحتمل المزيد من الهدر”.

إضغط هنا لقراءة المقال على الموقع النهار